|
الأول من برج الميزان الموافق للثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام ليس يوماً عادياً، بل هو يوم خلده التاريخ للقائد الملهم مؤسس هذا الكيان الكبير الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي سطر ملحمة بطولية تاريخية على أرض الجزيرة العربية امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً توجت بتأسيس المملكة العربية السعودية.
إن اليوم الوطني الذي يحل علينا هذا العام في ذكراه الثانية والثمانين هو مناسبة للتوقف مع سيرة المؤسس الملك عبدالعزيز، نستلهم فيه العبر والدروس من سيرة هذا القائد الذي استطاع بحنكته ونافذ بصيرته، أن يضع قواعد هذا البناء الشامخ ويشيد منطلقاته وثوابته، ويجعل من المملكة العربية السعودية مثالاً يحتذى في وحدتها السياسية وقدرتها على تخطي كل المعوقات من أجل النهوض والأخذ بأسباب الحضارة المعاصرة وإدراك خطوات التنمية معتمداً -طيب الله ثراه- في المقام الأول على بناء الإنسان كمرتكز تقوم عليه الحركة التنموية، وها هي الأجيال المتعاقبة تجني ثمار غرسه وتشهد التحولات الكبرى والتطور المستمر في شتى الجوانب.
شهدت المملكة العربية السعودية بعد انتهاء ملحمة التوحيد ومرحلة البناء والتأسيس في عهد الملك عبدالعزيز، مراحل من النمو والتطوير لمختلف المجالات عبر الخطط التنموية المتتابعة التي ترمي إلى الرقي بالبلاد والوصول بها إلى مصاف الدول المتقدمة، وتحقيق الرخاء والرفاهية للمواطنين، وتوفير الأمن والاستقرار لهم في كافة ربوع هذا الوطن الغالي.
ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى الثانية والثمانين لليوم الوطني المجيد نسجل اعتزازنا وفخرنا بما وصلت إليه المملكة من مكانة رائدة ومرموقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، حيث أصبح لها وزنها وثقلها السياسي والاقتصادي، وبات صوتها مسموعاً في مختلف المحافل الدولية بفضل من الله ثم بالجهود المخلصة التي بذلها ويبذلها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- حيث اضطلع بمهام كبيرة في بناء الوطن والمواطن.
ولإيمانه الراسخ بأن الإنسان هو ثروة هذا الوطن، فقد أولى خادم الحرمين الشريفين قطاعي التعليم والصحة جل عنايته واهتمامه وخصص لهما نسبة عالية من الموازنة العامة للدولة لتطوير هذين القطاعين والارتقاء بخدماتهما، فجاء مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم (تطوير) وارتفع عدد الجامعات الحكومية إلى نحو أكثر من ثلاثين جامعة في مختلف مناطق المملكة، إلى جانب الاهتمام بالتعليم التقني العالي حيث أنشأ -حفظه الله- جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون منارة علم عالمية وعهد جديد من العلم والمعرفة في المملكة والمنطقة.
جاء ذلك بالتوازي مع برنامج طموح وغير مسبوق لابتعاث أبناء وبنات الوطن لدول العالم المتقدم للنهل من مصادر العلم في التخصصات العلمية والتقنية المختلفة.
يتميز خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالشفافية والصراحة والإيمان بالحوار، فكان رائد الحوار الحضاري بين أطياف المجتمع من أجل تكريس الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع لبناء الوطن والحفاظ على وحدته ونسيجه الاجتماعي، حارب الإرهاب للقضاء على أهل الزيغ والظلال، فيما كان العمل على جانب الأمن الفكري يتواصل في أكثر من جانب لإعادة من غرر بهم من شباب الوطن إلى جادة الصواب وتصحيح عقائدهم ليعودوا إلى مجتمعهم أناساً أسوياء، ويقوموا بدورهم في خدمة المجتمع والوطن. كما يعمل -حفظه الله- على محاربة الفساد بكل صوره وألوانه، حيث وافق على الإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومحاربة الفساد، وأمر بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تحقيقاً للنزاهة ومحاربة للفساد.
وكانت إعاة تحديث نظام مجلس الشورى عام 1412هـ بمثابة ترسيخ مبدأ أصيل في السياسة السعودية وهو الشورى لتطوير نظامه بما يتماشى مع ما شهدته المملكة من تطورات متلاحقة ومتغيرات، ويواكب مستجدات العصر الحديثة، ويتلاءم مع أوضاعه ومعطياته، إيذاناً ببداية مرحلة جديدة من تاريخ الشورى العريق في المملكة العربية السعودية.
ويحظى المجلس بعناية واهتمام من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تمثلت في دعمه لمسيرته وتعزيزه لأهدافه منذ كان ولياً للعهد، إلى جانب ما يوليه -رعاه الله- من دعم للمجلس كي ينهض بدوره ويواكب المتغيرات الإيجابية التي تعيشها المملكة.
على الصعيد السياسي سجلت المملكة بمكانتها الاقتصادية ووزنها الإقليمي حضوراً قوياً على الساحة الدولية فأصبحت ضمن مجموعة العشرين التي تضم أكبر عشرين دولة اقتصادية، إلى جانب سياساتها الثابتة التي تقوم على مبدأ الحق والعدل، فكانت المملكة دوماً إلى جانب القضايا العربية والإسلامية تعمل على دعمها ونصرتها في مختلف المحافل الدولية، والشواهد من بينها على سبيل الذكر لا الحصر مؤتمر التضامن الإسلامي الاستثنائي الذي دعا له خادم الحرمين الشريفين وعقد في مكة المكرمة في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك 1433هـ ومؤتمر الحوار العالمي بين أتباع الأديان الذي عقد في مدريد 2008م وأسفر عن إنشاء مركز الملك عبدالله العالمي للحوار في العاصمة النمساوية فيينا.
إن وطناً بهذا التاريخ المجيد، وبهذه المكانة الدينية، وبهذه المنجزات يفرض على مواطنيه والمقيمين على ثراه الطيب الحفاظ على أمنه واستقراره، وتقدير الجهود التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لتنمية البلاد وتطويرها في مختلف المجالات والرقي بها إلى مصاف الأمم المتقدمة، بالإسهام في عجلة التنمية، والحفاظ على مقدرات الوطن ومكتسباته.
ويسرني بهذه المناسبة أن أرفع أسمى عبارات التهاني لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ولمقام سمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز -حفظهما الله- وأسأل الله سبحانه أن يحفظ هذه البلاد، وأن يديم عليها نعمة الأمن والرخاء والازدهار والاستقرار.
- مساعد رئيس مجلس الشورى