الكلمة أعجوبة، صحيح، وحتى تبقى كذلك، لا بدّ، من حين ٍ إلى آخر، أن يفديها الصمت، الكلام هو الحياة، الكلام المحفور بالصمت هو العمل، الصمتُ المبهور ببراءة الدهشة حيال عظمة خالق هذا الكون، هو أعمق موقف يتخذه الإنسان مع الله.
والشيء في هذا المجال، يُشبه عكسه تماماً: عندما نقول أكثر مما يتّسع القول، وفي الوقت ذاته لا شيء مما عندنا يستحق القول.
مطرُ الثرثرة لا يغسل اللغات، بل يُعفّنها، الكلام القليل هو الذي يصعق الغصون الجوفاء، ويُهرهر الأوراق الصفراء الميتة.
يحتاج الكلام حاجة ماسّة إلى إحياء، إلى ربيع، إلى الاصطدام بوجه جديد لنفسه.
العيون تسحر لأن لغتها الصامتة هي الكلمة التي لا تعلو عليها كلمة.
أبو الطيب المتنبي، عاشق السلطة على الطريقة السوبرمانية، أطلق صيحته: “الخيل والليل والبيداء تعرفني..”، قبل أن تنسدل الستارة على حياته، أو “أريد من زمني ذا أن يُبلغني ما لم يبلغه من نفسه الزمن”..
إنه كلام.. كلام في الخلود، طبعاً.
مع الكلام انتقلَ الإنسان إلى العالم الخارجي، الذي يختلف كلياً عن الواقع، لأنه نقيضه الوجودي.
مع الكلام بدأت الأوهام، فالوهم الأول اعتبار الاسم يُشابه المُسمّى، أي إنه يُمكن للكلام أن يُدخل الواقعَ إلى الفكر، أن يُروّضه، أن يحصره في سجن العقل.
* أن تُسيطر على اللغة، يعني أن تتعلّم كيف تثفكّر.
* ارنست همنغواي قال إن البحر نزع أسنان اللغة، وكان الإيقاع عدمياً وجميلاً، وتذكّر أنه عندما يتبادل الحديث مع الماء، لا يملأ حقيبته بالكلام، فاللغة تأخذ شكل الهواء.
* عندما قدِمَ الفرنسيون إلى مصر، بعد حملة نابليون، كان بعضهم يُوصي بعضهم الآخر بأنه يجب أن يتحدثوا إلى العرب كثيراً، فلا شيء “يُمتع” العرب مثل الكلام.
* لم يشهد العالم قبل اختراع القطارات إمكان بقاء البشر لمسافات طويلة، وجهاً لوجه، من دون كلام، الآن أجهزة الاتصالات الفضائية تزيد من صعوبة التواصل بين المتواجهين.
* التاريخ يشهد حالة من الدوار اللغوي في هذا القرن.
* التاريخ العربي الحديث يُشبه مقبرة جماعية من.. الكلام.
* متى كان للكلام أسنان كبيرة.
* الصراع في العالم اليوم بين رجل لا يتكلم من أجل صناعة المستقبل، ورجل يتكلم من أجل حماية أوهام الماضي.
* لا أحد يستطيع أن يعطي الخيبة نكهة كلامية جميلة.
* الارتجال في الكلام، يعني ارتجالاً في الأفكار، وارتجالاً في الصياغة، وارتجالاً في التنفيذ.
* كأننا جنود في خدمة أوهام الكلام، نستميت لتوطيد قيود هذه الأوهام.
* الصراخ المُجفّف، والخوف المُجفف، يتكاثران في رحم الكلام المُجفف.
Zuhdi.alfateh@gmail.com