صاموئيل فلبس هنتنجتون 1927م - 2008م، (Samuel Phillips Huntington)، أستاذ علوم سياسية. اشتهر بتحليله للعلاقة بين العسكر والحكومة المدنية، وبحوثه في انقلابات الدول، ثم أطروحته الشهيرة التي تقول: بأن: (اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن.....
..... الحادي والعشرين؛ ليسوا الدول القومية؛ وإنما حضارات الأمم).
* في العام 1993م، نشر هنتنجتون مقالاً شديد الأهمية في مجلة (فورين أفيرز)، تحت عنوان: (صراع الحضارات)، أشعل به نقاشاً مستعراً حول العالم، ناقضاً به نظرية (فرانسيس فوكوياما) في كتابه: (نهاية التاريخ)، الذي كان يركز على ديناميكية السياسة الجغرافية في الصراعات الدولية بعد الحرب الباردة.
* بعد ذلك.. وسّع هنتنجتون من مقاله فنشره في كتاب عام 1996م، مركزاً على وجهة نظره المحورية حول الصدام أو الصراع الحضاري بين الأمم بعد الحرب الباردة، وأن هذا الصراع سوف يتوسع ويحدث بأعنف ما يكون على أسس ثقافية حضارية، مثل الحضارات الغربية، والإسلامية، والصينية، والهندوكية.
* خلص صاحب نظرية صراع الحضارات إلى زبدة القول وهي: أنه لكي نفهم الصراع في عصرنا الحاضر وفي المستقبل؛ يجب أن نتعامل مع الثقافة بدلاً من الدولة، أو أن تحل الثقافة محل الدولة في مفهوم العلاقات بين الدول. يجب أن يتم القبول بالثقافة كطرف وسبب للحروب.
* ثم حذر بعد ذلك الأمم الغربية؛ بأنها قد تفقد زعامتها إذا فشلت في فهم الطبيعة غير القابلة للتوفيق للاحتقانات المتنامية حالياً.
* كثير من المعلقين والمهتمين بنظرية هنتنجتون هذه، تعاملوا مع طرحه على أنه نبوءة لما سيحدث في القرن الحادي والعشرين. الواقع أن استخدام مصطلح الحضارات أو الثقافات الذي تدور حوله الأطروحة، يتضمن الديانات السماوية وغير السماوية، الذي يدين بها مئات ملايين البشر، لأن الديانة جزء من حياة هذه الأمم، وتدخل في صلب حضارتها على مر العصور، بل هي الأصل والمنبع في التكوين الثقافي الذي تتميز به أمة من الأمم عن غيرها في هذا العالم، وإذا نشب صراع ما بين أمة وأخرى على أسس حضارية- كما توحي بذلك أطروحة هنتنجتون- فالشرارة الأولى تبدأ عقائدية ودينية غالباً، وهنا مكمن الخطر فيما قد يهدد التعايش بين الأمم، ويقوض حضارتها، ويدمر ثقافتها.
* بوادر الصراع الحضاري بين الأمم، أخذت في الظهور والبروز، ولكن من أشد النقاط حساسية وهي الدينية. لا توجد أمة لها دين وعقيدة- خاصة أصحاب الديانات السماوية- تقبل القدح في الذات الإلهية، أو أن تُساء في دينها أو رسولها أو حضارتها بشكل عام. نتحدث هنا عن مفصل الدين الذي هو المحور الأهم في حضارات الأمم الثلاث: (الإسلامية والمسيحية واليهودية). العالم المسيحي نفسه وكذلك اليهودي، لا يقبل أن يُساء في ديانته ولا في عيسى ولا موسى عليهما السلام، فهل يقبل المسلمون الإساءة إلى رسولهم- صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه- أو السخرية من ديانتهم وعقيدتهم السمحة..؟
* ردود الفعل التي عمت دول العالم الإسلامي وعواصمه، لها ما يبررها، وإن تخطى بعضها حدود المعقول والمقبول، وشكّل بعضها عبئاً على أصحابه، وحقق بعضها مقاصد أعداء المسلمين وأهدافهم؛ من وراء إنتاج ونشر وتوزيع فيلم قميء؛ يسيء إلى نبينا المصطفى- صلوات الله وسلامه عليه وآله وصحبه- فاشتهر بذلك الفيلم السيئ، وعرفه القاصي والداني، وبدت سوءات وهمجيات وانفعالات، ما كان أغنانا عنها، لو أنها استترت وتعقلت وعملت بشكل حضاري أجمل.
* كان يمكن للمحتجين اليوم، أن يتأسوا بسيرة نبيهم العظيم، الذي كان يتعامل مع أعدائه بحكمة ولطف وتسامح، ويدعو لهم بدل الدعاء عليهم. وأن يتعظوا بما سبق من حالة مشابهة اقترفها (سلمان رشدي)، بنشره لآياته الشيطانية قبل ثلاثين سنة، وجاءت فتوى الخميني في تلك الفترة، لتشهر الآيات الشيطانية، وتبرز صاحبها، وتجعل منه بطلاً مغواراُ، وهو إنسان مغمور لم يكن ليعرفه أحد.
* الدول الغربية كما هي عادتها، تتعامل معنا على طريقة: (رمتني بدائها وانسلت)..! فما إن ظهر الفيلم؛ حتى تبرأت منه الإدارة الأميركية، وتحججت مؤسساتها بحرية الرأي والتعبير..! وأنها لا سلطة لها في ذلك، وفعلت مثل هذا دولة السويد من قبل، وسوف يتكرر مثل هذا؛ إذا لم تُنقل القضية إلى هيئة الأمم المتحدة، فيصدر قرار ملزم باحترام الأديان السماوية، وعقائد الأمم وثقافاتها وحضاراتها، وأن تكون الدول والحكومات، رقيبة على ما ينتج على أراضيها من مواد ثقافية، وملزمة بتطبيق هذا القانون على رعاياها وما تديره من مؤسسات.
* ماذا لو جاء الفيلم الذي أنتج في الولايات المتحدة الأميركية، وخص بالإساءة محمداً- صلى الله عليه وسلم- موجهاً إلى سيدنا المسيح عليه السلام، أو سيدنا موسى عليه السلام، هل سوف تقول الإدارة الأميركية أنها لا سلطة لها على الجهة المنتجة..؟! وأن هذا يأتي في إطار حرية الرأي والتعبير..؟! وهل سوف يقبل العالم المسيحي مثل هذه الحجج..؟!
* لم تكن ردات فعلنا كلها سليمة، ولا منطقية، حين يصل الأمر إلى قتل الأبرياء، وتخريب المؤسسات، والإساءة إلى العلاقات مع الدول الأخرى مهما كان الأمر.. نحن أمة مأمورون بحب نبينا- صلى الله عليه وسلم- وكذلك لا يكتمل إيمان الواحد منا، إذا لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.. وأسوأ ردّ ترددت أخباره؛ هو الذي يأتي أسوأ من الفعل نفسه، حين يفكر البعض في إنتاج فيلم إسائي مضاد عن عيسى أو موسى عليهما السلام.. فهل يرضى بذلك عنا الله عز وجل، ويرضى عنا رسوله المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وهو المبعوث للناس كافة في كل أنحاء الدنيا..؟!
* يبدو أن الصراع الديني، هو المقدمة، وهو الذي سوف يؤجج الصراع الحضاري والصدام الثقافي بين الأمم. المقدمات تقود إلى النتائج كما يقولون، وما يجري من عبث في القارتين الأميركية والأوروبية، يستهدف عقائد المسلمين بالاستهزاء والسخرية، وتوجيه الإساءات تلو الإساءات إلى نبيهم- صلى الله عليه وسلم- سوف يؤدي إلى إفرازات عدائية، وتراكمات من الكراهية لا تحمد عقباها، فالحضارة الغربية التي استطاعت أن تستوعب ملايين المسلمين على أراضيها، وتوفر لهم العيش الكريم، وحرية الديانة والمعتقد، قادرة على حماية مشاعرهم ومشاعر المسلمين كافة، بسن قوانين تجرم كافة أعمال الإساءات وتوجيه الإهانات لأي دين أو معتقد، خاصة وهناك قوانين تجرم الإساءة بين شخص وآخر في المجتمعات الغربية، فكيف إذا تعلق الأمر بنبي ورسول وعقيدة وديانة سماوية..؟!
* مليكنا المحبوب عبد الله بن عبد العزيز رعاه الله، يتبنى فكرة الحوار بين أصحب الديانات السماوية، ويقود عملية التقارب والتعايش بين ثلثي سكان الكرة الأرضية من مسلمين ومسيحيين ويهود، وهناك من يعمل بحمق على نسف هذه الفكرة البناءة، وإشاعة الكراهية، وبث العداء بين أصحاب الديانات السماوية، وآخر أعمالهم الشنيعة هذا الفيلم السيئ، وما جوبه به من ردات فعل همجية على الطرف الآخر..
* هل يتبنى خادم الحرمين الشريفين رعاه الله، من خلال برنامجه الحواري الأممي هذا، نقل القضية إلى أروقة الأمم المتحدة، للحصول على قرار يجرم كافة الأعمال المسيئة للذات الإلهية والأنبياء والرسل وديانات الناس ومعتقداتهم..؟
H.salmi@al-jazirah.com.saAssahm1900@hotmail.com