كتب الدكتور إبراهيم بن نـاصر الحـمود مقالاً في عدد الجزيرة 14588 بتاريخ 19 من شهر شوال 1433هـ، بعنوان (البحوث الأكاديمية والمخطوطات العلمية أولى بردودك من المقالات الصحفية)، رداً على مقالي في عدد الجزيرة 14577 تاريخ 8 من شهر شوال 1433هـ، الذي بينت فيه أن حديث «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني» حديث ضعيف، كما بينت سبب ضعفه في تعقيبي على ما كتبته بدرية صالح التويجري في عدد الجزيرة 14358 تاريخ 26 من شهر صفر 1433هـ. والآن أقول للدكتور إبراهيم: لماذا أنت متضايق من ردودي أو تعقيباتي على تصحيح الأحاديث التي أجدها في بعض المقالات الصحفية؟
وتقول: إنه من الأولى أن أتجه إلى البحوث الأكاديمية والمخطوطات العلمية! هذه نصيحة قيّمة أعتز بها أيما اعتزاز، ولكن إذا كنت تريد بهذه النصيحة أني لست أهلاً لما أقوم به من تعقيبات على ما يكتب في بعض المقالات من أحاديث ضعيفة أو موضوعة فإني أرفضها! وبعد ذلك فإني أعود إلى قولك إنه يجوز الاستشهاد في مجال الوعظ والإرشاد، وإن هذا النص استشهد به كثير من هيئة كبار العلماء مثل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، واستشهد به سماحة المفتي العام الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في خطبه ومواعظه، لكنهم مع ذلك يبينون درجة ضعفه ويوضحون شروط الاستدلال به التي ذكرها العلماء المحققون في كتبهم، وبعض العلماء قالوا الأصل في الحديث الضعيف أنه مردود لا يعمل به بخلاف الحديث الصحيح والحديث الحسن، وقد تناولوا بالبحث إمكانية العمل بالحديث الضعيف، واختلفت آراؤهم في ذلك.
فذهب المحققون من العلماء إلى أن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقاً، سواء أكان ذلك في العقائد أو الأحكام الفقهية أو في الترغيب والترهيب وفضائل الأعمال، وهذا هو المنقول عن يحيى بن معين والبخاري ومسلم، وهو ما ذهب إليه ابن العربي فقيه المالكية وأبو شامة المقدسي من فقهاء الشافعية وعليه ابن حزم. وجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال مشروط بشروط ثلاثة:
أولاً: أن يكون الضعف غير شديد.
ثانياً: أن يندرج تحت أصل معمول به.
ثالثاً: ألا يُعتقد عند العمل به مثبوتة، بل يُعتقد الاحتياط.
ولكن هيهات أن توجد هذه الشروط مجتمعة.
وذكر الشيخ الألباني في كتابه تمام المائة في التعليق على فقه السنّة أن بعض العلماء المحققين ذكروا أنه لا يعمل به مطلقاً لا في الأحكام ولا في الفضائل. ونقل الشيخ القاسمي - رحمه الله - في قواعد التحديث قوله حكاه ابن سيد الناس في الأثر عن يحيى بن معين ونسبه في فتح المغيث لأبي بكر بن العربي والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضاً وهو مذهب ابن حزم. ويقول الألباني هذا هو الحق الذي لا شك فيه عندي لأمور:
الأول أن الحديث الضعيف إنما يفيد الظن المرجوح ولا يجوز العمل به اتفاقاً، فمن خرج من ذلك العمل بالحديث الضعيف في الفضائل لا بد أن يأتي بدليل، وهيهات.
الثاني: أنني أفهم من قولهم في فضائل الأعمال أي الأعمال التي ثبتت مشروعيتها بما تقوم به الحجة شرعاً، ويكون معه حديث ضعيف يسمى أجراً خاصاً لمن عمل به، ففي مثل هذا يعمل به في فضائل الأعمال؛ لأنه ليس فيه تشريع ذلك العمل به، وإنما فيه بيان فضل خاص يرجى أن يناله العامل به.. إلى أن قال: وخلاصة القول أن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لا يجوز القول به على التفسير المرجوح؛ إذ هو خلاف الأصل، ولا دليل عليه، ولا بد لمن يقول به أن يلاحظ بعين الاعتبار الشروط المذكورة، وأن يلتزمها في عمله.. إلخ ما ذكره.
المراجع:
محمد فهد العتيق - مباحث في علوم الحديث لمناع القطان - تمام المائة للألباني في التعليق على فقه السنة