) بعد أن هدأت موجة العنف والا ضطرابات، وسكنت عواصف الاحتجاجات التي صاحبت عرض الفيلم المسيء للنبي صلى الله عليه وسلم. مرت كما مرّ غيرها من الإساءات التي تعرّض لها الأنبياء والرسل على مر التاريخ فصمدوا، وما وهنوا ولا استكانوا، إذ لم تكن هذه الأولى ولن تكون الأخيرة مثل تلك الحملات التي تنال من الإسلام وتعاليمه ورموزه التاريخية المقدّسة. ليس من الغريب أن يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم حيا، أو ميتا غرضا للأعداء، أو أن تكون الرسالة السماوية هدفا لهم, الغريب في هذه القضايا هو جهلنا بما تحمله تلك الإ ثارات الظاهرة من خير لرسالته، وتمكينا لنهجه صلى الله عليه وسلم ونهج أمته، وهو يتعامل مع مثل تلك الزوابع.
) مثل هذه الأزمات التي تفتعل بين الحين والآخر تكشف لنا وللآخرين بعدنا عن السيرة النبوية وتأمله وتدبرها، تكشف لنا خطأنا حين نغلّب العواطف على منطق العقل، ونسلك في خطابنا، أو سلوكنا مسلكا يبدو فيه شيء من التناقض الصارخ، ونحن نتعامل مع غير المسلمين في كافة النحل والملل والديانات.في مثل هذه المواقف وقف أحد الشعراء العرب من غير المسلمين، وفي أحد المهاجر العربية، ليقول (زكي قنصل) منتصرا للنبي العربي:
ماذا تهمّ طوارق الحدثانِ
خلق الجهادَ لكل ذي وجدانِ
الحقّ ش عك فامضّ فيه مؤملا
ما آب غير البُطل بالخذلانِ
إني ذكرتُك يا محمدُ والعدى
يتألبون تألب الذؤبانِ
ضربت على أبصارهم وقلوبهم
ليل الفساد أصابع الشيطانِ
فيلاحقونك بالتراب وبالحصى
وبكل وغدٍ حانقٍ شيطانِ
) بالأمس، وفي سنوات مضت تشكلت في بعض الدول الإسلامية فئات تحمل الفكر التكفيري، وتؤمن بالخروج وتدعو إليه، وتتبنى العنف والعداء للإنسان أيّا كان، ولعل ما مرّ علينا من أحداث ووقائع ندفع ضريبتها كمسلمين شواهد على إثر ذلك المنهج، الذي تصدّى له المجتمع بكل أطيافه ومؤسساته حتى تمت محاصرته، والقضاء على فلوله وتنظيماته. حينها كنا ولازلنا بطبيعة الحال نتبرأ من منهجهم، ونعلن أن الإسلام بريء من مثل ذلك، وهم بسلوكهم المنحرف لا يمثلون إلا أنفسهم، لا يمثلون المجتمع السعودي المعتدل، ولا توجهات مؤسساته السياسية، والثقافية، والدينية، أعلنا ذلك في محافل عديدة من خلال المؤتمرات، والندوات الداخلية والخارجية التي ناوأت ذلك الفكر المأزوم، وكان لتلك الجهود أثر كبير في تغيير صورة الإسلام، والمجتمع السعودي في أذهان الغربيين، بل تفهموا ذلك، وأشادوا به، وعبروا عنه.
) اليوم تشذ فئة من شذاذ الآفاق، وتتبنى هجمة شرسة على نبينا صلى الله عليه وسلم، فيضطرب لذلك فئة غير قليلة في بعض الدول، وترتكب إثر ذلك موجات من العنف، والقتل، والتدمير. ومع فارق التشبيه، يقف الغرب من خلال بعض زعاماته، ومؤسساته الرسمية، لينبذ هذا لسلوك المشين، ويعبر عن أسفه وشجبه لهذا العمل، عادين ذلك السلوك لا يمثل الشعوب الغربية، ولا أخلاقياتها، لكن هذا الصوت لا يقابل بالقبول، أو بالحوار، ولا بمثل ما قوبلنا به آنذاك، بل تستمر دعوات التأليب ضد الغرب ومصالحه، وهي في الحقيقة ضد مصالح العرب والمسلمين .
*ما أسلفت لا مجال للمقارنة فيها بين تلك الشخصيات، أو الرموز، إنما الذي يعنينا هو السلوك التخريبي الذي انتهجته بعض الفئات في بعض دول العالم الإسلامي، تحت دوافع العواطف الملتهبة، ضاربين بقيم الحوار، وقيم الدين الإسلامي الذي أمر أتباعه بالصبر، والرفق، واللين، والاحتساب، وندبهم في أكثر من موضع إلى المجادلة بالتي هي أحسن مع من نختلف معهم.
) أمام كل هذه الأجواء الصاخبة، والمواقف الملتهبة تأتي مواقف المملكة العربية السعودية المعتدلة، المتزنة في خطابها السياسي والديني، لينم عن الوسطية، والتعاطي مع الحدث بأسلوب حضاري راق، يرسم الصورة الحقيقية للإسلام، لاسيما وأنه نابع من منطلق الرسالة، ومبعث الوحي.
dr_alawees@hotmail.com