|
الجزيرة - محمد السهلي:
بينما تنمو هذه صناعة المال بمعدل غير مسبوق، لا يمكن أن يقال الشيء نفسه عن العدد الصغير من علماء الشريعة.. فإذا ألقيت نظرة على مجلسين شرعيين لمؤسستين ماليتين مختلفتين لوجدت أن هناك احتمالاً كبيراً في أن الأسماء نفسها تتردد في المجلسين. تعد الدكتورة روسني حسن واحدة من بضعة نساء تخصصن في العلوم الشرعية المصرفية.. فهي تبرز عالم يهيمن عليه علماء الشريعة. فهي بمثابة المنارة المضيئة كونها واحدة من بين قلة من العالمات اللواتي وصلن إلى مرتبة عالمة شرعية في المالية الإسلامية. عملت روسني في السلك الأكاديمي، وظهرت على المسرح في عام 2003 بعد أن حصلت على درجة الدكتوراه في فقه المعاملات من الجامعة الإسلامية الدولية في ماليزيا.. إلى تفاصيل المقابلة.
* لقد كانت ماليزيا من أوائل الدول التي شجعت تقدم «فقيهات» الصيرفة الإسلامية الأمر الذي قادهم إلى كسر الحواجز المفروضة عليهم وتقلدهم لمناصب رفيعة في الهيئات الشرعية للبنوك الماليزية والعالمية. ما تعليقكم حول ذلك؟
في الحقيقة لم أكن أول فقيهة تدخل إلى صناعة المال الإسلامية.. حيث سبقتني إلى ذلك إحدى الفقيهات التي كانت تعمل في إحدى الجامعات. وكان ذلك في أوائل 2001، عندما أصبحت ضمن الهيئة الشرعية لبنك ستاندر تشارتد البريطاني، ولتصبح في الوقت نفسه أول فقيه مصرفية بالتاريخ. وبعدها تعيينها هناك، أصبح لنا ولله الحمد فقيهات صيرفة مؤهلات ضمن منظومة الصيرفة الإسلامية
* كيف تردون على إدارات البنوك في الشرق الأوسط والذين يترددون في تعيين مثل هؤلاء الفقيهات بالمجالس الشرعية الخاصة بهم؟
إن مجلس الشريعة في أي بنك هو بمثابة «المفتي»، ففي عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان الصاحبة والصحابيات يفتون في الأمور الدينية، فعائشة، رضي الله عنها، كانت تقدم الفتوى للمجتمع في ذلك العهد.. حيث روي عن الصحابة قدومهم إلى أم المؤمنين وسؤالها عن أمور الدنيا، ومن هذا المنظور فإن وظيفة مجلس الشريعة هي تقديم الفتوى. وهذا يمكن عمله عن طريق الفقهاء والفقيهات إذا ما كانوا مؤهلين.
* هل تعتقدين أن دول الخليج قادرة على تقديم فقيهات متخصصات في المصرفية الإسلامية؟
إنني لا أنظر إلى هذه المسألة من كون الفقيهة ماليزية أو عربية.. إن ما يحسم هذه الأمور هو «الكفاءة الشرعية». فيجب عليها أن تكون مسلمة ومؤهلة.
* ما هي المؤهلات والصفات التي يشترط توفرها ليكون المرء عالم دين جيداً؟
أعتقد أن أهم المؤهلات التي ينبغي أن تتوفر حتى يصبح الشخص عالم دين جيد هي الفهم التام للشريعة نفسها، وخاصة فيما يتعلق بفقه المعاملات وفلسفة التشريع الإسلامي.. وفي الوقت نفسه، يستطيع أن يقدم علماء الدين لهذه الصناعة قيمة مضافة عبر معرفتهم بالنواحي الفنية لنظام التمويل الإسلامي، والاقتصاد والمحاسبة. بالنسبة لي، أجد صعوبة في المحاسبة لأنني قادمة من خلفية قانونية، وكما تعلم، فإن المحامين ضعفاء جداً في الأرقام. في ضوء ذلك، أعتقد أن التعرض لهذه المجالات أمر بالغ الأهمية.
* ما هي الخطوات التي يتبعها عالم الشريعة بالنسبة للمنتج المصرفي من البداية إلى النهاية؟
أولاً، تخبرنا البنوك أنها ترغب في هيكلة منتج جديد، بعدئذ يتدارس الطرفان هذا المنتج. وبعد ذلك، يخرج فريق تطوير المنتجات بهيكل مفصل للمنتج وعرضه علينا. نقوم عندئذ بإبداء ملاحظاتنا والتعديلات التي تقترحها. وبعد أن يتم اعتماد هيكل المنتج، يتم وضع تفاصيل إضافية من قبل الإدارات الأخرى كإدارة التسويق والإدارة القانونية.. بعد أن توضع كافة التفاصيل، يعاد إلينا هيكل المنتج النهائي لكي نقوم بجولة أخرى من التدقيق فيه. وباعتباري عالمة شريعة، ينبغي علي أن أتفحص كل شرط وبند خاص بهذا المنتج.
أما الوقت الذي يستغرقه المنتج من البداية إلى النهاية، فيعتمد على مدى تعقيده. ولكن بصورة عامة، يستغرق المنتج ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر، لأنه ينبغي علينا أن نتأكد من معالجة جميع المسائل المتعلقة به، إذ لا نرغب في أن نضطر إلى سحب المنتج من السوق بعد بيعه.
* هل تعتقدين أنه سوف تتم معالجة النقص في علماء الشريعة في المستقبل القريب أو في بضع سنوات؟
لا أعتقد أنه سوف تتم معالجة هذا الموضوع في المستقبل القريب.. في الوقت الحالي لا يوجد في نظامنا التعليمي خليط جيد من العلوم القانونية والاقتصادية والفقهية، وهذا ما تحتاجه صناعة التمويل الإسلامي.
* كيف تصفين إنجاز محافظة البنك المركزي (زيتي عزيز) عندما قامت بتأسيس نظام مصرفي إسلامي في ماليزيا وأصبحت مثالاً يحتذى به لمحافظي البنوك المركزية الأخرى الذين يردون تتبع خطواتها؟
لقد قامت بوضع لبنات متينة للإطار التنظيمي الخاص بالمالية الإسلامية في ماليزيا.. فقد كانت قادرة على فهم متطلبات النظام المالي الإسلامي الذي يختلف بشكل جذري من النظام المالي التقليدي. فقد أسهمت الإجراءات التنظيمية الحصيفة التي وضعتها في تجنيب قطاع الصيرفة الإسلامي أية أزمات مالية لا ضرورة منها. فهي تملك نظرة مستقبلية نحو تقدم الصيرفة الإسلامية نحو الأفق.