سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد بن حمد المالك سلمه الرحمن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما أن فرغت من قراءة ما نشر في صحيفتكم الغراء بالصفحة رقم 24 من العدد رقم 14537 وتاريخ 27-8-1433هـ تحت عنوان: (مشروع سكني لتمليك المتقاعدين بأسعار تقل عن المتاح في السوق)، وهو اتفاقية وقعتها الجمعية الوطنية للمتقاعدين تزامنا مع إطلاق أنظمة الرهن العقاري، حتى رفعت أكف الضراعة للمولى عز وجل أن يسدد خطى منسوبي الجمعية لما فيه خير وصلاح المتقاعدين ممن أفنوا حياتهم خدمة للدين ثم المليك والوطن، وهذا أولاً.
أما ثانياً فإنني (كشاب متقاعد) من أحد القطاعات الأمنية لأسباب صحية أرى في مثل هذه الاتفاقيات والجهود التي تقوم بها الجمعية بأنها ستحقق بإذن الله الأمن الحقيقي الذي ينشده كل متقاعد من خلال غياب كافة المظاهر السلبية عن حياته والتي قد تعيقه طموحاته وفاعليته في مجتمعه بعد سنين طويلة قضاها في خدمة الدين ثم المليك والوطن، وبالتالي سيمهد من الاستفادة من خبراتهم الهائلة في مجال الأعمال التي تخصصوا بها، وتحقق لهم الاستقرار الاجتماعي بما يتوافق تماما مع قرار مجلس الوزراء ذي الرقم 175 في 23-6-1424هـ والمتضمن أن من الأهداف الإستراتيجية لخطط التنمية: (المحافظة على التعاليم والقيم الإسلامية، تحقيق الاستقرار الاجتماعي للمواطن، وترسيخ هوية المملكة وصولا إلى تحقيق وتعزيز الوحدة الوطنية والأمن الوطني).
وحول الأمن الوطني وقوة المجتمع المعنوية يقول الدكتور فهد بن محمد الشقحاء في كتابه الرائع: (الأمن الوطني تصور شامل، في طبعته الأولى من العام 1425هـ صفحة (25): بأن قوة المجتمع المعنوية إنما تقاس بمدى امتلاكه لهوية حضارية ثرية وخصائص بشرية مميزة مستدلا بالدول التي برزت كقوى عالمية عالية مؤثرة والتي هي في الواقع قوى إنتاجية كبرى معتبرة حققت مهارات متقدمة معتمدة في ذلك بشكل أساسي على قواها الوطنية تخطيطها وتنفيذا)، وبلا جدال بين ذوي الألباب بأن المتقاعدين هم بلاشك أهم تلك الخصائص البشرية المميزة نظراً لما يتمتعون به من خبرات عملية، فالخبرات تختصر الوقت والجهد للوصول إلى الهدف المطلوب، فمخترع الكهرباء توماس ألفا أديسون فشل في تسعة وتسعون محاولة لايصال الكهرباء ولم ينجح إلا في المرة المائة وعندما عاب عليه أقرانه بأنه قد أضاع وقته وجهده في المرة التسعة والتسعين رد عليهم بكل ثقة بأن تلك المرات قد أكسبته خبرة بأن لا يلجأ إليها مستقبلا لأنها لن توصل الكهرباء فاختصرت عليه وقته وجهده، ومن ثم قال مقولته الشهيرة بأن الإلهام لا يساوي سوى 1% من الفكرة بينما 99% منها يعتمد على العمل الجاد والمتواصل.
وبالمناسبة فالخبرة أيضا تنجي من أية عقوبات قانونية قد تطال الشخص فيما لو مارس مهنته بلا مؤهلات علمية أو حتى ترخيص من قبل ولي الأمر، بدليل أن سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ يرحمه الله قد صادق في فتواه رقم (8-103) على حكم قضائي صادر من المحكمة المستعجلة في جدة ويقضي الحكم بإخلاء سبيل أحد ممارسي الطب الشعبي بعد وفاة مريض عالجه الطبيب بالكي واستند يرحمه الله في فتواه على أن الطبيب إنما يمارس مهنته عن وعي وخبرة وكثيراً ما عالج أشخاص فشفيوا بإذن الله، أي اعتبره في الفتوى كالطبيب المرخص له تماماً، فضلا عن أن إذن المريض للطبيب بالعلاج ينافي الضمان في الشرعية الإسلامية.
وللخبرة أيضا وجودها في علم أو علوم قد لا يحمل صاحبها شهادة علمية فعلامة الجزيرة حمد الجاسر والمتوفى في 16-6-1421هـ يرحمه الله قد قال قوله المشهور: (إن حمد الجاسر لو نال في أول عهده شهادة جامعية لاعتمد على هذه الشهادة وبقي مقيدا بها ولكن من لطف الله بي أن جعلني لا أهتم بذلك)، فقد رأى يرحمه الله أن اندلاع الحرب العالمية الثانية التي حالت دون اكماله لدراسته في كلية الآداب في جامعة القاهرة هي من لطف الله به حتى لا يتقيد بشهادته الجامعية، ومنح على خبرته وقراءاته ومساهماته الفكرية وعطائه المتواصل لها عدة جوائز منها وسام الملك عبدالعزيز في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) عام 1417هـ، كما منحته جامعة الملك سعود درجة الدكتوراه الفخرية عام 1416هـ نظير ما قدمه من عطاه للفكر والثقافة، وأصبح بخبرته بعد توفيق الله عز وجل علامة للجزيرة بل موسوعة علمية وعملية لها لا تخفى على أحد، يرجع لها كثير من الباحثين، لنخلص إلى القول بأن منح ذوي الخبرات في مهنهم درجات علمية نظير خبراتهم العملية ستكون بلاشك دافعاً معنوياً لهم لبذل المزيد من الجهد وتنشيط لقدراتهم والاستفادة ما أمكن من إمكانياتهم الخبراتية، فقد قيل بأن الخبرات والتجارب هي أعدل الشهود في الحكم على الشيء.
أخيراً ليس آخراً يروى أن امرأة عجوزا أتت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتفى عليه السلام بها احتفاء لفت نظر عائشة رضي الله عنها، فلما ذهبت المرأة العجوز سألته عائشة عن سر احتفائه الشديد بها فقال عليه أفضل الصلاة والتسليم: (إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان)، فكل الشكر والتقدير والثناء لولاة أمرنا اهتمامهم ورعايتهم وحسن عهدهم بالمتقاعدين الذين أفنوا حياتهم خدمة للدين ثم المليك والوطن، وكل الشكر والتقدير أيضا لصحيفة الجزيرة على نقلها لنا مثل هذه الأخبار التي تدخل البهجة والسرور على نفس كل متقاعد، وكل الشكر أيضا لعموم منسوبي الجمعية الوطنية للمتقاعدين بلا استثناء وعلى رأسهم رئيس مجلس إدارة الجمعية معالي الفريق المتقاعد عبدالعزيز محمد هنيدي ومدير عام الجمعية الدكتور عبدالرحمن محمد شاكر الشريف، والذين سخروا كفاءاتهم العلمية والعملية والمعرفية لخدمة المتقاعدين، وأخذوا على عاقتهم البقاء مستيقظين طوال الوقت لخدمة إخوانهم المتقاعدين وأخواتهم المتقاعدات.
- مفلح بن حمود الأشجعي - الشاب المتقاعد والمستشار القانوني