عندما كنت بالمدرسة الابتدائيَّة كان المقصف المدرسي أشبه بشركة مساهمة صغيرة يدفع فيها كل طالب عشرة ريالات ويتولاه أحد المدرسين وفي نهايَّة العام تصفي الشركة ويحصل كل طالب على المبلغ الذي دفعه زائدًا الأرباح.
كانت تجربة ناجحة يشارك في إدارتها الطلاب وكنَّا نسعد بأرباحنا في نهايَّة العام. أما النقل المدرسي فكانت المدرسة ترفع احتياجها لمكتب التَّعليم وبدوره يعمد المتقدِّمين من الأهالي وفق شروط محددة فتتم ترسيَّة نقل المدرسة أو المحافظة على المؤهلين من الأهالي. أما نظافة المدرسة فكان يعمل بالمدرسة عددٌ من الأهالي (فراشين) يقومون بمهمة النظافة بتعاون المدرسة في تثقيف الطلاب لتحمل مسؤوليتهم في الحفاظ على نظافة المدرسة. كانت إدارة المدرسة تستشعر مسؤوليتها تجاه مساجد القريَّة، فيقوم الطلاب بزيارات للمساجد لتنظيفها وترتيبها من وقت لآخر وبالمشاركة في أسابيع الشجرة، والنظافة وغيرها من الأسابيع.
بعد ذلك جاء زمن المشروعات الكبرى والشركات الكبرى فأصبح دور إدارة المدرسة والمعلمين سلبيًا.
أصبح المقصف المدرسي شركة وطنيَّة كبرى والنقل مشروعات وطنيَّة كبرى والنظافة شركات على مستوى الوطن واختفت مساهمات المدرسة في مسجد الحي ونظافته وتحطمت المسؤوليَّة الاجتماعيَّة للمدرسة وفشلت مشروعات النقل ومشروعات المقاصف المدرسيَّة ولا زلنا ننتقل من مشروع وطني فاشل إلى آخر. ونريد إيجاد مشروعات أخرى ضخمة في تشغيل المدارس وفي كثير من الأعمال التعليميَّة أو ذات العلاقة بها.
حتى في الدول المتقدِّمة وجدت أمورًا مشابهة لذلك. لم أجد في كثير منها شركة نقل وطنيَّة وشركة نظافة وطنيَّة وشركة مقصف وطنيَّة وإنما تتم جميع تلك الأمور بتنسيق من المدرسة والمكتب التَّعليمي على المستوى المحلي.
ما أودُّ قوله هنا: إننا نعقد الأمور البسيطة ونجهل الحلول البسيطة ولم تزدنا المشروعات الضخمة سوى توهان ولم يزدنا مشروع التَّعليم الضخم سوى هدر وربما فساد في التَّربية وفي صيانة المال العام.
كنت احسب مشروع التَّعليم الكبير سيكون عبارة عن لجنة تضع خطة عامة فإذا به مشروع شركات ومبانٍ لم تزيدنا سوى إحباط.
كنت أتوقع مشروع تطوير المناهج عبارة عن لجنة لا يزيد عدد أفرادها عن عدد أصابع اليدين فإذا به مشروع بيروقراطي ضخم لا تعرف رأسه من رجليه أدخلنا في نفق بيروقراطي لا نهايَّة له...
حسبنا أن المشكلة المال فإذا المبالغ الضخمة تفسد إدارة التَّعليم لدينا وتجعلنا ندور في حلقة مفرغة لا ندري كيف الفكاك منها. كنَّا نتوقع أن التربويين حملة الشهادات العليا سيقدِّمون لنا الحلول الناجعة فإذا بهم يدخلوننا نفق تعقيد الأمور البسيطة والدخول بنا في دهاليز المشروعات الضخمة التي أخفت كل المبادرات البسيطة الفعَّالة...
للأسف هرم الإدارة في مشروعنا التَّعليمي لم تعد تبحث عن الحلول البسيطة والتجارب الفعَّالة من الميدان ولم تعد تشجع المبادرات التي تأتي من الميدان ولم تعد تستمع إلى صوت المديرين والمعلمين فأصبحت العلاقة بين الميدان وقيادات وزارة التَّربية تسير باتجاه واحد. تعليمات ونظم تسن من قبل بيروقراطي الوزارة وتذمر وإحباط في الميدان. انتزعت الثِّقة من مدير المدرسة حتَّى في عمليَّة ضبط معلميه في الحضور والانصراف فجاء مشروع البصمة كأحد المشروعات الوطنيَّة المهدرة للمال العام التي لم تراع قيمة المعلم كرجل ملتزم بعمله ولم تراع قيمة مدير المدرسة كرجل قادر على إدارة مدرسته ولم تراع الرسالة التي ستوجه للطلاب حين يعامل معلمهم وكأنه شخص متهم لا يمكن ضبطه سوى بتوقيع البصمة.
يا وزارة التَّربية: ثقوا في معلميكم وتجاربهم الميدانيَّة، فقد تكون أفضل من هذه التعقيدات التي أدخلتمونا فيها بمشروعاتكم الضخمة والكبرى...
malkhazim@hotmail.comلمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm