المكرَّم محرر صفحة عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من خلال ما قرأته في زاوية الدكتور محمد الصالح (رؤية اقتصادية) عدد الجزيرة 14585 الاثنين 16-10-1433هـ وجدت مدخلاً للكتابة عن النقل العام داخل المدن، خاصة الباصات، خلال تطرقه لأنواع النقل، فلا أدري ما الذي أخر وجوده حتى هذا الوقت في مدينة الرياض التي امتلأت شوارعها العامة بالسيارات، تقف مشدوهاً وقت الذروة وأنت تشاهد هذا الزحام، وأكثر السيارات بها سائق بمفرده، وتتعجب من موظف جاء من حي الشفاء لعمله في حي الصحافة في آخر الشمال، يوقف سيارته ولا يحركها لحين انتهائه ليواجه بعد الظهر ما واجهه في الصباح، وهو ينظر جانب طريق الملك فهد، ويتمنى قطاراً كالذي رآه في أي مدينة خارج المملكة، يمر بحي الشفاء إلى حي الصحافة، ولو حصل ذلك لركبه أغلب الناس، وتركوا سياراتهم لحين العودة، أو على الأقل إيجاد باصات ملتزمة بالوقت المحدد لإراحة الأعصاب والسيارات من هذه الاختناقات. وهناك مَنْ يعمل شرق الرياض، ويذهب أولاده مع سيارات الأجرة، أحدهم يذهب للجامعة، والثاني في كلية شمال المدينة، وابنة في جامعة البنات، والبقية داخل الحي تنقلهم عمالة بباصات خاصة، ودوامته طوال أيام الدراسة وقلقه، حتى أنه يحتفل حين تقفل المدارس نهاية العام!
الرياض مدينة مترامية الأطراف مليئة بالسكان، معدل أفراد الأسرة السعودية فيها (6)، ومدينة اقتصادية كبرى ينتقل لها السكان من المدن والمحافظات الأخرى وغيرها دون توقف، وما إن يتوطنوا حتى يبدؤوا باستقدام العمالة بأنواعها. أنا لست مع من يقول إن طريق الملك فهد وطريق خريص والطرق الأخرى والأنفاق والكباري التي شُيّدت لفك الاختناقات في المدينة لم تساهم في فك الازدحامات، بل هي مشاريع جبارة، وتصاميم أبدعها المهندسون، ومبادرات سريعة أحياناً تسبق وقتها كطريق الأمير سلمان وامتدادات شوارع (أبوبكر الصديق) والملك عبدالعزيز جهة الشمال وغيرها، فالدولة تنفق في هذا المجال بلا حدود بغية أن تكون العاصمة الأفضل، وهي فعلاً الأفضل والأجمل، ولكن لا يمكن أن تكتمل هذه الإنجازات دون الجزء الثاني منها، وهو النقل العام؛ فهما مكملان لبعضهما، لا يمكن أن ينجح أحدهما دون الآخر. ولقد استبشرت الناس بموافقة مجلس الوزراء على مشروع النقل العام داخل المدن، الذي هو الآن قيد الدراسة، نسأل الله التوفيق لمن أُسندت إليه المهمة.
ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع أن هناك أولويات في النقل معطلة، كالنقل المدرسي، وهو شبح نواجهه مع بداية كل عام دراسي، كالشبح الذي يواجهه صاحبنا ساكن حي الشفاء من قلق وفوضى وزحام شوارع في الصباح والظهيرة واستنزاف مادي ونفسي، كأننا الوحيدون من لديهم مدارس وجامعات، إضافة إلى سائقي العائلات وما أدراك، ينقلون فلذات الأكباد صغاراً وكباراً، وآخرون كتبوا على سياراتهم (نقل مدرسات، نقل طالبات، سائق مع مَحْرم)، لكن هل فعلاً عجزنا عن حل هذه الأزمة ونحن بلد المعجزات العظيمة بفضل الله ثم هذه الحكومة الرشيدة؟ لا يُصدَّق أنه لا يوجد عندنا نقل مدرسي، من الضروري وجوده وبصفة شبه إلزامية بأجرة مناسبة لمن يستطيع، وهو مناط بوزارة التربية والتعليم، عليها إيجاد باصات لكل مدرسة بما يكفيها، وبأحجام مناسبة، لا تضيق بها الشوارع، ولو بداية في المدن الكبرى، وحتى المعلمات يحتجن لباص في كل مدرسة لمن ترغب. أعتقد أن إيجاد النقل المدرسي أهم من بناء مدارس جديدة حالياً ما دامت المستأجَرة تفي بالغرض، حتى لو تم شراؤها وإعادة تهيئتها، فالعبرة بالكيف لا بالكم، لحين اكتمال شمولية النقل المدرسي. إن أكثر من نصف الموظفين يتركون أعمالهم نحو ساعتين لإعادة أولادهم وأزواجهم للمنازل، ثم يعودون للعمل وأذهانهم مشتتة.
وزارة التربية والتعليم مثقلة بالمهام، وتظل الوزارة القوية على مر العقود رغم تقلب الأحوال وتنامي السكان، لم تطرد مواطناً أو مواطنة بحجة عدم وجود كرسي، نفخر بها في هذا الوطن، فتحية لمن قام عليها وعمل بها رجالاً ونساء في الحاضر والماضي.
النقل العام مهم - كما قلت - ونتمنى لهم التوفيق.
ما لفت نظري كذلك أيام عيد الفطر خلال الفعاليات التي أوجدتها الأمانة بكل نجاح هو زحام السيارات كي تصل للمواقع، حتى أن كثيراً لم يذهبوا لها، وكنت أتمنى لو حددت مواقع في أنحاء المدينة، تتجمع فيها السيارات، وتنقلهم بالباصات بأجور رمزية، وجعلت هذه المواقع منطلقاً مستقبلاً لأي مناسبة كفعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة، حتى بعض مباريات كرة القدم المهمة وغيرها كما في مكة المكرمة المكرمة أيام المناسبات.
وفَّق الله الجميع وتحية وتقدير لجريدة الجزيرة بهذه الصفحة الرائعة.
- محمد عبدالعزيز الدريويش