أتى النظام الجديد في تنفيذ الأحكام القضائية، بتطبيق عقوبة السجن لمدة ثلاثة أشهر للأب أو الأم في حال تعطيل أو رفض الأحكام الصادرة بالحضانة أو الولاية أو الزيارة.. في هذه المادة شيء كثير من الإنصاف خصوصا للنساء المطلقات المحرومات من زيارة ورؤية أطفالهن، إذ إن - بعض - الرجال يحاول الانتقام من أم أولاده لأنها انفصلت عنه، ويبدأ بالكيد لها من خلال استخدام نقطة ضعفها التي لا يُمكن أن يسليّها شيئا في الحياة، ليعوضها عن رائحة أبنائها، خصوصاً إذا كانوا أطفالا لا يملكون القدرة على الوقوف في وجه من يظلم طفولتهم.
لا زلت أتذكر قبل سنوات تلك الرسائل التي كتبتها طفلة في السابعة من عمرها، بخط يدها لوالدتها المطلقة، وكانت تقوم بإرسالها عبر زميلة لها بالمدرسة تربطها قرابة بأمها من بعيد. وبكل تجرد أقول إنه برغم ما رأيت في عملي الإعلامي من عجائب هذه الحياة التي تؤلم وتهز الجماد فكيف بالإنسان، إلا أنني لم أبكِ كما بكيت وأنا اقرأ رسائل تلك الطفلة! هذه الحكاية مجرد مثال على جبروت رجل، وظلم امرأة، وكسر طفلة.. يجعل من يرى ويعاين مثل هذه القصص أن يتساءل: أي قانون هذا الذي يجور على الإنسان المستضعف؟
في الأنظمة الجديدة، ومع هذه الجهود أتطلع إلى قوانين متكاملة للأحوال الشخصية، تُنهي وتقطع دابر الظلم ووقوعه على المرأة أو الرجل أو الطفل، مع ذلك وفي الغالب تذهب ضحيته المرأة والطفلة، لأن النظام المعمول به في قضايا الحضانة، لا يأخذ إلا جانبا واحدا من النص دون النظر إلى الاعتبارات الإنسانية وحجم الضرر والظلم الذي يقع على الأطراف الأضعف. مع أن النصوص في جانب الحضانة مرنة، والاجتهادات الفقهية اختلفت، وكلها لم تخرج عن سياق شريعتنا الإسلامية، فلماذا لا يكون التعامل حسب الحالات من خلال المذاهب الإسلامية الأربعة التي لم تتفق في موضوع الحضانة، لكنها تمنحنا رؤية أبعد تبعا لمصلحة الطفل أولاً، الذي لا يستطيع فراق أمه ويبقى طفلا في أحضانها حتى وإن بلغ سن المشيب، فلا أفهم كيف تكون الحضانة للرجل دائما وأبداً حتى وإن كان هذا فيه ضرر على الطفل، ما أقوله هنا ليس من بنات أفكاري إنما من قصص وشواهد تئن بها أروقة المحاكم بأصوات الأمومة ودموع الأطفال.
في المذاهب الأربعة التي نأخذ بها، هناك من يقول إن تبقى الفتاة في حضانة أمها حتى سن الزواج، وهذا لدى المالكية. أما الإمام الشافعي فقد حددها إلى سن سبع سنوات، وترك بعد ذلك الخيار للطفل سواء أنثى أو ذكر. إن هذه الآراء هي رحمة لنا واختلافاتها أتت لأجل فتح الأبواب لما فيه مصلحة الإنسان وصون مشاعره. فلماذا نأخذ بالرأي الذي لا يُخير الطفلة الأنثى عند بلوغها سبع سنوات، وكأنه نصا قرآنيا لا يقبل الاعتراض ولا التغيير؟ ومع وجود شرط عدم حصول الأب على الحضانة عند الحنابلة، في حال كان فاسقاً وغير مؤهل لحضانة أطفاله، إلا أن هذا في حال وجوده فهو من أصعب الأمور التي يُمكن أن يتم إثباتها عليه، كما أنها تتعارض مع أخلاقيات هذا المجتمع الذي من المعيب فيه أن تذهب المرأة لتثبت على زوجها السابق أموراً سترها الله عليه في منزله، وأظن أن هذا الشرط هو ما يجعل العلاقة بين الطليقين تسوء أكثر، والضرر هنا على الأطفال!
الإسلام ومبادئه رحمة لنا، والأم هي التي كررها رسولنا الكريم ثلاث مرات لِعظم شأنها “أمك ثم أمك ثم أمك”.. والمصلحة في كل الأحوال وضعت لها الشريعة خيارات عديدة، فما اخترنا منها الأيسر فهو سيبني مجتمعا وقوده السعادة والأمان.
www.salmogren.net