ياسر منذ صغره وهو يميل إلى مداعبة الحيوانات الأليفة، ويأنس بها وتأنس به، لما بينهما من روابط الإلفة والود، وهما سجيتان تجتمعان عند الإنسان والحيوان لا سيما المستأنس منها كالقط والكلب، والد ياسر لاحظ ذلك في كل زيارة لأقارب أو أصدقاء لديهم طيور أو حيوانات أليفة، ولأنّ الصغير تبدو عليه النباهة واللطف قرر والده مكافأته بإحضار هر (وهذا اسم فصيح لهذا الحيوان من بين عدة أسماء قد ترد بين السطور)، ووجد ضالته عند أحد الأقارب ممن فاض عندهم الإنتاج القططي ومن سلالات جيدة، فاختار صغيراً منها يسمّى (ميسو) - جرّب الحروف بالعكس - ويقال إن أفضل الحروف التي تسمعها (السنانير) وتستجيب لها هما حرفا السين والشين، وزعم صاحبه الذي أهداه لوالد ياسر أنه من سلالة نادرة ذات شأن كبير في سجلات وتاريخ (البسس)، وبالغ قليلاً حينما قال إنّ جده الأكبر إنما هو هر الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه، وإنّ سرعة الفهم عند التدريب تنحصر تقريباً في هذه السلالة الفاخرة التي لا تجدها لا في سوق الحمام بالرياض ولا في غيره، ذلك إن مثل هذا (القطّوس) باللهجة التونسية، من ندرته يهدى فقط كهدية وتحفة، وإنه من قبيل التقدير لأبي ياسر يهديهم هذا ( البزّون) باللهجة العراقية، ونصحهم بأنه نبيل يستحق العناية والتدليل، لدرجة أنّ أبا ياسر ظن أنه يوصيه بابنه وليس بـ(الكديسة) باللهجة السودانية!! انتقل ميسو إلى منزل ياسر وأبدى من أول يوم مهارات عالية في القفز والمراوغة ومخاتلة الحمام والعصافير في فناء المنزل والاختباء بين الأشياء مبرزاً علامات الذكاء، إذ انه يندسّ بحيث يرى الطيور ولا تراه فتقترب منه ليستمتع بمشاهدتها ثم يفاجئها بهجوم لعوب دون إيذاء، غير أنّ مهارات (العرّ) باللهجة الحجازية، لا تقتصر على المناورة و(التميلح) أمام العصافير، فقد ظهرت لديه قدرات خارقة للعادة عند (الضيّون) وهي عربية فصيحة، فقد شاهدته يأكل الكليجا وقلت لا غرابة في ذلك فإن من مكوّناتها السمن البلدي وهو مما يغري القط بقضمه، ولكن وبما أنكم من أهل القصيم وتزعم أنك استطعت تدريبه على أشياء خارقة، فهل يمكن أن تقنعني أنك درّبته على أكل (الجح) مثلاً؟ قال نعم، وطلب من ابنه الصغير إحضار شريحة من البطيخ الأحمر وقدمها للظريف ميسو فتناول منها نصيباً ربما لإثبات دعوى صاحبه أمامي وإن لم يكن جائعاً، فذهلت مما رأيت، وقلت أخشى أن أقول إنه لم يبق إلاّ أن تعوّده على التتع بتناول (الكرّاث) الطيب عندكم؟! فأجاب: ظننت أن هذه لديك من البديهيات، فإنه من أوائل ما تدرّب عليه وانه بتجويع القط بلا إيذاء يتعلم، قلت مازحاً: لو كنت هراً عندك!! فرد بصوت غاضب: وهل تستهزئ؟ فأضفت: إنّ الإسراف في تدليل الطفل (ياسر) والمبالغة في تقدير حيوان كهذا، يبدو أنه نوع من الترف الزائد وأنه كان يجب صرف جزء من هذه العناية والتكاليف لمن يحتاجها فعلاً، فقال: صدقني وأنا أمين على كلامي، إني أفعل كل ما ترمي إليه من عمل الخير، وإن ابني متفوق دراسياً ولم أسمح للقط أن يلهيه عن صلاته ومذاكرته، فدعوت له بالخير.
t@alialkhuzaim