صمت المجتمع الدولي عما يحدث في سوريا هو نوع من المشاركة في المسؤولية عما يرتكبه النظام الأسدي من جرائم. فالجرائم الدموية التي ترتكب تحت سمع وبصر العالم تجاه المدنيين العزل من الأطفال، والنساء، والشيوخ، وعجز عن إيقاف آلة القتل الدموية، ولا تلقى - مع الأسف - سوى الإدانة اللفظية المحملة بالشجب والاستنكار ؛
لتشترك منظمات الأرض الأممية مع النظام الفاشي في وحشيتها، وكأن المجتمع الدولي يقدم رخصة مستمرة للغة القتل للنظام.
هذا الصمت المريب، وغير المبرر تجاه ما يحدث للمدنيين الذين يطالبون بالحريات من مجازر يندى لها جبين البشرية، والتي وصلت إلى درجة غير مسبوقة في الإجرام لم يعد من الممكن تحملها، أو تجاهلها من شأنه أن يضر بأمن واستقرار العالم، وهو ما أكّدت عليه المملكة في كلمتها التي ألقاها - الأمير - عبد العزيز بن عبد الله أمام الدورة العادية الـ 67 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة - حالياً - في نيويورك من أن الأزمة السورية بلغت حدوداً متناهية من التفاقم، والتعقيد ، دفع ثمنها عشرات الآلاف من أبناء الشعب السوري - قتلاً وتهجيراً ونزوحاً - ، مبينة أن ذلك - كله - يحدث وسط تقاعسٍ ملحوظٍ من قِبل المجتمع الدولي ؛ من جرّاء الانقسام الحاصل في مجلس الأمن، وتعثر كل المبادرات المطروحة - عربياً ودولياً - ، بسبب تعنت وصلف النظام السوري الذي لا يزال يعتقد بإمكانية المضي بحسم الوضع بالوسائل الأمنية، غير مكترثٍ بالكلفة الإنسانية.
حرصت المملكة - منذ اليوم الأول للأزمة - على التعامل معها وفق أطر الشرعية الدولية، وقراراتها ، والاحترام الكامل لمبادئ حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني ، وعبر كل من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، وما صدر عن القمة الإسلامية التي عقدت في مكة المكرّمة - شهر أغسطس 2012م -، بشأن الوضع في سوريا.
بعيدا عن تناقضات المجتمع الدولي وحساباته السياسية المعقدة التي تتداخل فيها الانتماءات الدينية، والعرقية، والاقتصادية فإن صيانة حقوق المواطن السوري، وكرامته في التعبير، واحترام التعددية السياسية، والثقافية بما في ذلك آليات الانتقال السلمي للسلطة يعتبر حقا أصيلا من حقوق الشعب السوري الرافض للقهر، والظلم، والاستبداد السياسي، وما يحدث من انتهاكات في حق الإنسانية مخالف لكافة الأعراف والمواثيق الدولية المعلنة بحقوق الإنسان وفي مقدمتها : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، والسياسية، والقانون الدولي الإنساني الذي يجرم استخدام العنف ضد المدنيين، بل ويخالف - أيضا - قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أكدت في دورة انعقادها الأولى - بتاريخ الحادي عشر من ديسمبر سنة 1946 -، بأن إبادة الجنس البشري جريمة في نظر القانون الدولي، تتعارض مع أغراض، ومقاصد الأمم المتحدة ، وأن العالم المتمدن ينكرها، حيث إن إبادة الجنس البشري، قد كبدت الإنسانية في مختلف العصور خسائر فادحة.
صحيح أن النظام لا يلقي بالا للانتقادات الدولية الموجهة إليه، بل لا زال يراوغ ؛ ليخدع المجتمع الدولي بأحاديثه المتكررة عن الحوار، والرغبة في السلام، في الوقت الذي يصر فيه على مواصلة العنف غير المبرر ضد شعبه بمنتهى القسوة، والوحشية، والإجرام، ولتظل السياسة بلا قلب، ولا رحمة، فالصراع الدبلوماسي بين الدول العظمى لا علاقة له بما تدعيه قوى الصراع من حرص على مصلحة الشعب السوري، بل إن ما يجري على أرض الواقع هو وسيلة ؛ لإثبات الذات بين تلك الدول على الساحة الدولية، وليردد السوريون بعد أن أصبحوا ورقة مزايدة ؛ لتصفية حسابات الدول العظمى: “ ليست الشام ابنة التاريخ - وحسب -، بل هي أم المستقبل - كذلك -، وما بينهما مخاض عسير لا يحمله إلا عظيم - كقاسيون -، وأصيل - كالأموي -، وهناك الكثير من الأنباء المبشرة في الشام، وهناك يقين واحد : أن التاريخ انتفض هناك، وإذا انتفض فلن يعود “.
drsasq@gmail.com