مشكلة العقل العربي أنه لا يستطيع أن يعيش بلا بطل! فهو إذا لم يجده على أرض الواقع، قام على الفور باختراعه، والبطولة في ثقافة هذا العقل تنحصر فقط في كمية ضحاياه، أي أن البطل يجب أن يكون (قاتلاً) وتكون بطولته بحجم قتلاه، ومن هنا فإن (بطلنا) العربي عادة ما يكون قاتلاً وخارجاً على القانون، ومن ينكر ذلك فلينظر إلى أدبنا العربي كله، بما فيه الشفاهي منه، بدءاً من أبي زيد الهلالي، مروراً بالزير سالم، وانتهاءً بعنترة بن شداد، ناهيك عن علي الزيبق وعلي بابا والسندباد هذا عدا عن فرسان الجاهلية المشهورين، وفرسان البادية المعدودين الذين تنحصر فروسيتهم بعدد ما قتلوا أو خاضوا من معارك أو غزوات، هدفها الإثراء غير المشروع على حساب الآخرين، أو سلب ما ليس لهم حق فيه من أبناء جلدتهم الآمنين، ومن هنا تُقاس بطولاتهم بحجم ما قتلوا أو ما نهبوا.
صحيح أن أولئك (الأبطال) هم آباؤنا وأجدادنا، الذين كانت حياتهم تقتضي ذلك، وكانت أعمالهم نتاج سلوك مجتمعهم الذي عاشوا فيه، لكن الغريب في الأمر أننا لم نسمع مثلاً أن يُقال عن مفكر أو فيلسوف أو مخترع أو حكيم بأنه بطل، وإن وجد هذا المبدع فإنه سيعيش في ظل البطل القاتل، لا محالة، ومن هنا فإننا اليوم وفي زمان انتفاء البطولة الحقيقية التي كانت مثلاً تجسد الفروسية والنبل وتحقيق القيم، حتى لو كانت عن طريق القتل، أقول إننا في غياب البطولة الحقيقية فإننا نضفيها حتى على القتلة واللصوص الجلاّدين ونماذج أخرى اخترعها الفكر العربي، (لتعويض) غياب البطولة الحقّة، واليوم حتى في غياب تلك النماذج الاجتماعية والسياسية القاتلة، فإننا نحاول أن نجد البطل، فمتى يستفيق العقل العربي؟!