ترى من المسؤول..؟ هل أصبحنا لا نعترف بوجود مشكلة إلا بعد أن نرى الدم والدموع؟
آلاف القصص والحكايا المؤلمة وضحيتها أطفالٌ ليس لهم ذنب سوى أنهم لا يستطيعون البوح أو التحدث بما يتعرضون له من ممارسات وحشية من قبل الخدم.. أطفالٌ في عمر الزهور واللعب والحلوى عنوان حياتهم الجميلة والبراءة سمة من سمات طفولتهم الندية.. ورغم كل ذلك فالوحوش البشرية تغتال تلك البراءة وترتكب أبشع الجرائم بحقها..
.. والحقيقة المرة أننا نغض الطرف عن ذلك التنامي المتزايد في قضايا الجرائم التي ترتكبها العمالة المنزلية بحقنا وحق أطفالنا وبيوتنا وخصوصياتنا مسلسلُ جرائم ممنهج يتم على أيديهم... جرائم تتشابه في نهاياتها وتختلف في مضامين ممارساتها.. ومع ذلك لا نتخذ موقفاً صارماً للوقوف في وجه هذه الظاهرة الإجرامية.. بل إن ردة فعل غاضبة غالباً ما تأتي من بلدان هذه العمالة احتجاجاً على مزاعم وادعاءات سوء معاملة الأسر السعودية لهذه العمالة لنبقى الطرف الأضعف في معادلة العلاقة نظراً لحاجة الغالبية العظمى من الأسر لهذه العمالة الوافدة ما دفعها إلى التمادي في تنويع جرائمها لتصل إلى القتل.
نعم نحن لا يمكن أن ننكر بأن بعضاً من الأسر [والبعض قلة] هي من توجد حالة العداء عند الخادمات من خلال الممارسات السلبية والمعاملة السيئة لهذه الفئة التي تقبلت الغربة وتركت أسرها وأطفالها لتعمل بعيداً عن أوطانها... الحاجة دفعتها إلى ذلك كما نحن.. فالحاجة دفعتنا للاستعانة بها وهذه هي طبيعة الحاجة المتبادلة.. لكن..! أن تتطور الحاجة إلى جرائم بدءاً من سرقات كانت محوراً أساسياً لتلك الجرائم... إلى السحر الذي احتل مكان الصدارة في هذا المسلسل البشع الذي حول البيوت إلى بغضٍ وكره وحالات طلاق.. إلى.. وإلى.. وإلى.. ليتجاوز الأمر بعد ذلك ويصل إلى اقتراف الجرائم المفجعة... قتل الأطفال بل ذبحهم [بالساطور والسكاكين] كالجريمة البشعة التي هزت أوساط المجتمع وراحت ضحيتها الطفلة الصغيرة تالا. نحن نشكو جرائم العمالة المنزلية منذ سنين والاستغناء عنها يبدو أمراً مستحيلاً.. ولكن أن تصل الحاجة إلى أن ندفع أرواح فلذات الأكباد مقابلاً لتلك الحاجة فهذه جريمة نشارك الجلاد الجرم فيها.
الطفولة العاجزة تستغيث.. وتالا الصغيرة ليست الضحية الأولى أو الأخيرة في المسلسل الإجرامي المتنامي، فمن المسؤول؟ من المسؤول عن زيادة الفواجع البشعة التي يتعرض لها أطفالنا على أيدي الخادمات؟ فإذا كنا نتساءل من المسؤول فلابد أن نعترف بأن المسؤولية هي مسؤولية مشتركة تطال جهات عديدة وتضعهم في قفص الاتهام بالتقصير والإدانة، بدءاً من وزارة العمل التي لم نجد لها معايير صارمة في بنود قوانين الاستقدام تفرضها على مكاتب الاستقدام... كالشروط الجزائية تُطَبق عند الإخلال بأحد بنود قوانين الاستقدام، مروراً بالأسرة التي ترى وجود الخادمة أمراً ضرورياً.. إذن عليها أن تعي وتدرك أنها تتعامل مع إنسانة تحتاج إلى معاملة حسنة كريمة... إنْ أخطأت تشعرها بالخطأ... ثم توجهها بأسلوب خالٍ من السباب والإهانة، مع العلم بأن ما هو أكثر ضرورة بآلاف المرات هو الحذر.. الحذر.. والإحاطة التامة بأن الخادمة هي إنسانة أجنبية مجهولة غامضة دخيلة على الأسرة لا تعرف عنها سوى اسمها وبلدها وحالتها الاجتماعية، وهذه معلومات لا تكشف شيئاً عن حقيقتها... فإذا كانت مسؤولية هذه الفواجع الإجرامية هي مسؤولية مشتركة بين وزارة العمل والأسرة، فإن وزارة التربية والتعليم بل كل مرفق عام أو حتى خاص وتعمل به امرأة يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، فأبسط حقوق المرأة العاملة هو توفير مكان آمنٍ لأطفالها، لذا بات من الضروري إيجاد دور حضانة تحتضن أطفال الموظفات والمعلمات.. فلماذا لا يكون هناك تعاون مشترك بين وزارة العمل ووزارة التربية والتعليم لتوظيف الفتيات اللواتي يحصلن على مكافئة حافز في دور الحضانة، بعد إعدادهن وتدريبهن من خلال دورات مبسطة تقدمها وزارة التربية مشاركة مع وزارة العمل.. كم هو رائع وجميل أن تتعلم بناتنا احتضان الأطفال ورعايتهم وكيفية التعامل معهم، ففي يوم من الأيام سيصبحن أمهات وسيحكين لأبنائهن وبناتهن... أين وكيف تعلمن رعاية الطفل؟ إننا بذلك لن نبقى رهينة عمالة نجهل كنهها وثقافتها ومبادئها وستبقى بيوتنا آمنة مطمئنة.
zakia-hj1@hotmail.com