ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 07/10/2012 Issue 14619 14619 الأحد 21 ذو القعدة 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

من طبائع النفوس السوية، ذات الطبائع البشرية المعتادة، أنها تنفر من الأشياء المرة؛ فهي لا تستسيغها ولا تتقبلها؛ وبالتالي لا تعدها من الخيارات المفضلة ابتداء، بل إنها ليست على قائمة خياراتها أصلاً، وهذا ليس بالأمر الغريب أو غير المتوقع، بل هو أمر طبعي، فالسوي يميل بطبعه إلى الأشياء المحببة إلى نفسه، التي تبعث فيه الرضا، وتحقق له الراحة، يختارها طواعية وتفضيلاً على غيرها، ويسخر كل ما يملك من قدرة وقوة ليحظى بالمحبب إليه، على اعتبار أنه الأفضل والمفضل على ما سواه من الخيارات الأخرى المتاحة، فهو يقدم بإصرار على المفضل لديه غير آبه بالخيارات الأخرى مهما كانت مقومات ومعايير تفضيلها ومغرياتها، التي ربما أنها تبدو متفوقة عما تم تفضيله من بين الخيارات المتاحة.

يحدث هذا عندما تكون الخيارات متعددة المجالات، متنوعة المحتوى، وكلها يمكن الحصول عليها بكل يُسر وسهولة، وطالما أن الحال بهذه الصفة من تعدد الخيارات وتنوعها، فحتماً سيكون الاختيار قد تم بمحض الإرادة، حيث لا إلزام ولا قهر، بل وفق معايير وقواعد اعتمدها من قرَّر تفضيل هذا الخيار عن ذاك، وتقول العامة في أمثالها: (لولا اختلاف الأنظار لبارت السلع)، فأحدهم يقرر تفضيل أمر ما على الرغم من أن غيره يحقق الغرض نفسه، بل يبدو أفضل منه وأيسر، سواء من حيث سهولة آلية الحصول عليه، أو من حيث القيمة المتحققة من اختياره، كل هذه المميزات قد تبدو ذات قيمة عالية عند زيد، لكنها ليست بالقيمة ذاتها والتقدير نفسه عند سعيد؛ ولهذا قيل: “كل بعقله راض”، أي كل يرضي بما يقرر بعد أن يقرأ معطيات الأمر الذي أقدم عليه، وتفهم ما يترتب عليها من إيجابيات وسلبيات.

أحياناً تبدو الخيارات معقدة وغامضة ومتداخلة؛ ما يصعب على المستفيد تحديد أيها أولى بالاختيار والتفضيل، ولهذا يعجب البعض عندما يقرر أحدهم اختيار أمر ما على الرغم من أن ما تم اختياره يبدو وبجلاء أنه ليس الأفضل قيمة، ولا الأجدى من بين الخيارات المتاحة، بل قد يبدو سيئاً مشوهاً، أو مكلفاً في تبعاته مقارنة بغيره من الخيارات المتاحة، وهنا يتجلى المعيار الذاتي في تحديد المواقف وتفضيلها، أي أن المعايير الموضوعية المنطقية قد تستبعد في تحكيم التفضيل والاختيار، وبدلاً منها يتم الاعتماد في الاختيار على الرؤية الذاتية فيما يحقق المصالح والغايات من وجهة نظر شخصية بعيداً عن معايير العامة.

ومما صار مضرب المثل في الاستشهاد على مثل هذه المواقف قول الفارس المعروف أبو فراس الحمداني:

ومن مذهبي حب الديار لأهلها

وللناس فيما يعشقون مذاهب

وعلى منوال هذا البيت ما ينسب لأبي فراس وقيل للحارث بن حلزة:

فعلقتها شمطاء شاب وليدها

وللناس فيما يعشقون مذاهب

وفي كثير من الأحيان تبدو الخيارات متمايزة مختلفة إلى درجة لا تحار فيها الإرادات؛ ما يسهل عملية تحديد أي الخيارات أولى بالاختيار، ومن البدهي أن لكل شخص معاييره الخاصة في التفضيل، فضلاً عن المعايير العامة، وهي غالباً ما تكون واضحة لديه؛ فقد يتفق العامة على أمر ما باعتباره الأفضل من بين الخيارات، ومع هذا تجد أحدهم يخرج من بين العامة ويختار أمراً آخر لا مجال لمقارنته بما يُعَدّ الأفضل لديهم.

وهنا يتبادر إلى الذهن التساؤل الآتي: لماذا يختار أحدهم أمراً مُرًّا على الرغم من أنه يوجد خيارات أخرى أيسر منه وأقل كلفة؟ يختار المُرّ طواعية، يختاره وهو بكامل قواه. وعندما يتتبع المراقب سبب ذلك يتبيَّن له أن الدافع لاختيار المُرّ هو أن الخيار الآخر أشد مرارة.

للحديث بقية.

 

أما بعد
وش حادك على المر 1 ـ 2
د. عبد الله المعيلي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة