يبدو أن العد التنازلي للربيع الإيراني قد بدأ بالفعل، فقد ظهرت إرهاصات هذا الربيع تلوح في الأفق منذرة بأن الصحوة الإيرانية الحقيقية قادمة لتدك معاقل دولة الولي الفقيه في إيران. بازار طهران الشهير كان أول من ثار على الشاه، وتحالف في نهايات السبعينيات من القرن المنصرم مع القوى الشعبية الإيرانية الغاضبة على الشاه والتي حرضها الخميني، وجاءت بالملالي إلى قمة السلطة في إيران وتم إقصاء بقية التيارات الوطنية التي تحالفت معه ليتربع الخميني منفرداً على عرش الشاه مدى الحياة، وليأتي بعد موته خليفته علي خامنئي إلى السلطة وما يزال سلطاناً تؤول إليه السلطات كلها بلا استثناء لا يشاركه في سلطاته أحد. ما حصل للشاه يبدو أنه يتكرر مع الولي الفقيه، فتجار البازار الذين أسقطوا إمبراطورية الشاه قبل قرابة الثلاثة قرون يبدو أنهم سيطيحون بدولة الولي الفقيه ويلحقون الشاهنشاه الجديد علي خامنئي بالشاهنشاه القديم محمد رضا بهلوي.
العملة الإيرانية كما تشير المؤشرات هي الشرارة التي ستفجر الأوضاع في إيران؛ فقد تدهور سعر صرف (التومان الإيراني) مقابل العملات الأخرى إلى معدلات قياسية بسبب العقوبات الاقتصادية الغربية الخانقة التي يرزح تحتها الاقتصاد الإيراني؛ فالتضخم تجاوزت معدلاته ما يزيد عن 23 % وارتفعت معدلات البطالة إلى 12% حسب الأرقام المعلنة، وهناك كثير من المحللين الاقتصاديين يؤكدون أن الأرقام الحقيقية للبطالة قد تصل إلى ضعفي وربما ثلاثة أضعاف ما هو معلن بعد أن خسرت العملة الوطنية ثُلثي قيمتها.
ابتدأت الأزمة تعلن عن نفسها بقوة عندما وقّع 10 آلاف عامل وعاملة في أرجاء إيران عريضة احتجاجية تنتقد الأوضاع الاقتصادية بشدة حسب جريدة «القبس الكويتية» جاء فيها: (خلال عام واحد سجلت الأسعار قفزات صدمتنا بينما لم تتعد زيادة الرواتب والأجور 13% حتى أصبح ملايين العاملين غير قادرين على دفع إيجار مسكنهم). وبتدهور سعر صرف العملة الوطنية دخل تجار البازار على الخط، ونفذوا إضراباً شبه شامل، وانطلقت مظاهرات تُحمِّل حكومة نجاد المسؤولية، ورُفعت شعارات مثل (اتركوا سوريا وفكّروا بنا) في إشارة إلى صرف نظام الملالي آلاف الملايين من الدولارات على الحرب السورية بينما يتضور ملايين الإيرانيين جوعاً. وإذا استمرت الإضرابات وتكررت واتسعت رقعتها جغرافياً كما هو متوقع، فلن يستطيع النظام ولا عصا الحرس الثوري الغليظة مقاومتها.
الأيديولوجيا الدينية والنمو الاقتصادي ضدان لا يلتقيان هذا ما أثبتته التجارب المعاصرة أكثر من مرة؛ النظام الإيراني منذ الخميني وحتى الآن وهو نظام طائفي شديد الإخلاص والتفاني لمبادئه الطائفية؛ فالإنسان والتنمية الاقتصادية يأتيان في تراتبية الأهمية بعد المفاهيم ومبادئ وشعارات الطائفة، التي يجب أن يكون لنصرتها الأولوية المطلقة حتى وإن ضحى الإنسان بنفسه ومعيشته، ناهيك عن رفاهه في سبيل تحقيق هذه المفاهيم. ومنطق كهذا لا يمكن أن يستقيم مع العصر ومع إنسان العصر ومع شرط البقاء، حتى وإن قبله المؤدلجون من الشعوب، فلن تقبله الأغلبية غير المؤدلجة، لذلك فالإنسان الإيراني البسيط الذي لا يجد عملاً ويعصف الغلاء ومعدلات التضخم بحياته وحياة أبنائه لا يمكن أن يوافق على بعثرة ثرواته في صراعات خارجية وتحديات يجد أنها تنعكس سلبياتها على حياته انعكاسات مؤثرة، وتتفاقم هذه الانعكاسات يوماً بعد يوم لتدخله نفقاً مظلماً لا يرى فيه إلا السواد الكالح والمستقبل الذي تحيط به الأخطار من كل جانب؛ فطموحات إيران النووية هي على ما يبدو أس المشكلة وها هي تنعكس وبالاً عليه، وتؤدي إلى عزله وخنقه، ومحاصرته، في حين أن هذا السلاح لن يقدم له حلاً لمشاكله الحياتية اليومية؛ ويزيد من معاناته.
نهاية إيران باتت مؤكدة، فالدول اليوم أساسها وسبب بقائها وباعث استقرارها هو الاقتصاد، ومتى ما ضحى القائمون عليها بالاقتصاد ومصالح الناس في سبيل نصرة الأيديولوجيا فسوف تخرج من التاريخ حتماً.
إلى اللقاء.