في شهر جمادى الأولى سنة 1429هـ اتصلت بالأستاذ سليمان العيسى واستقبل اتِّصالي بترحاب معهود، ثمَّ وجهت إليه الدعوة لتكريمه في الثلوثيَّة والاستماع إلى تجربته الإعلاميَّة الطويلة وسرد شيء من الذكريات والمواقف التي مرَّت به خلال عمله الإعلامي الذي جاوز أربعين عامًا، اتفقت معه على ليلة الثلوثيَّة وكانت مساء الثلاثاء 6-6-1429هـ.
واصطف جمعٌ غفيرٌ من المثقفين والإعلاميين ومحبي الفقيد -رحمه الله-.
ابتدأ حديثه باعتذاره عن اللحاق ببعثة منحت له لجامعة السوربون مع عدد من الطلاب السعوديين ولكنَّه اعتذر عنها برًا بوالديه وحاجتهما إليه.
ثم اعتذر مرة أخرى عن اختياره معيدًا في الجامعة، حيث كان من أوائل المتفوقين لذات السبب أيضًا.
ابتدأ حياته الإعلاميَّة منذ كان طالبًا مذيعًا، ثمَّ مقدمًا، ثمَّ قارئًا لنشرات الأخبار.
لم ينسَ خلال تلك الليلة الاحتفاليَّة الجميلة أن يغدق الشكر على زوجته د.مي العيسى التي رافقته طيلة فترة نجاحاته وأزجى لها شكرًا لا ينسى تتذكره اليوم وهي تفقده زوجًا، وعلمًا ومواطنًا صالحًا.
وكان من محطات حياته استدعاء وزير الإعلام آنذاك إبراهيم العنقري له، حيث طلب منه التفرغ للإعلام للحاجة إليه وصدق حدس الوزير آنذاك فكان سليمان العيسى نعم الاختيار.
لقد تنقل الفقيد في مراحل حياته المُتعدِّدة وبدأها رويدًا رويدًا لم يستعجل في منصب أو عمل لكن إمكاناته العلميَّة والأدبيَّة جعلته يحظى بتقدير بالغ منذ مطلع شبابه، لذا لم يكن غريبًا أن كل مسؤول يمرّ عليه اسم سليمان العيسى يحاول اجتذابه إليه.
لقد وجَّه في تلك الليلة العديد من النصائح للإعلاميين وخصوصًا الشباب، مؤكدًا على أن الحس الإعلامي ركيزة أساسيَّة في العمل الإعلامي والاستفادة من آراء الآخرين والتفاعل الصَّادق مع المهمة الإعلاميَّة.
وقال: آنذاك عندما تملك الأدوات الإعلاميَّة الجيِّدة ستجد نفسك في دائرة ثريَّة ومنتجة تضحي معها بوقتك وراحتك وتتذوق معها حلاوة الإِنْجاز وثمرة الجهد.
لقد ظلَّ سليمان العيسى قلبًا إعلاميًّا نابضًا بِكلِّ معاني الكلمة، يحمل الكلمة الصادقة من الإحساس المرهف والحلف النبيل مع رزانة العقل ورجاحة الموقف.
لذا لم يكن ثمة سبيًا أن يحظى بثقة الملوك وتقدير المسؤولين فهو يعرف تمامًا أصول وقواعد مهنته، يتقن عملها بلا كلفة أو مشقة.
إنه بحق آخر أولئك الجيل اللامع الساطع من الإعلاميين الذي افتقدتهم شاشتنا ومذياعنا بأصواتهم الآسرة ولغته الفصيحة وهدوئهم المسكون.
أمثال: ماجد الشبل وغالب كامل وحسين نجار وسليمان العيسى وبقيَّة الركب الإعلامي الأول.
لقد وطئت قدماه اتجاهات الإعلام كافة إذاعة وتلفازًا وصحافة وكان لِكُلِّ منها نصيبه من الإعلامي القح الحصيف سليمان العيسى.
وإذا كان من كلمة فهي تلك الكلمة الجميلة التي ساقها معالي وزير الثقافة والإعلام د.عبد العزيز خوجة حين قال عن الفقيد: إن صوته كان يحمل معه البشائر وكان بحق يحمل معه أدوات الملقي والمذيع بِكلِّ إبداع وإتقان بلا كلفة أو عناء.
والمتتبع لمسيرة حياته -رحمه الله- يلتمس الحس الإعلامي الذي رافقه منذ صغره، حيث عمل مذيعًا وهو لم يزل طالبًا في جامعة الملك سعود التي تخرج منها سنة 1388هـ.
كانت تعليقاته الإذاعيَّة والتليفزيونيَّة تعبّر بوضوح ومازالت حتَّى وفاته -رحمه الله- عن الذوق الأدبي الذي يحمله ولعل كتبه التي أصدرها مثل «مدائن العقل» بجزئيه و»نسمات على وسائد الليل» تكشف بوضوح وجلاء تلك الذائقة الأدبيَّة، إضافة إلى زاويَّة صحفيَّة يكتبها في صحيفة عكاظ.
إن نسيت فلا أنسى وهو يصف وصول جثمان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز -رحمه الله- فكانت نبرة صوته مبكيَّة وكلماته محزنة والمشهد مهيب والمنظر يدمع العيون ويقطع الأكباد.
فبعثت إليه رسالة بعد انتهاء وصول الجثمان وقلت أبكيتنا يا أبا محمد.
ابتلي في السنوات الأخيرة بتدهور صحته فما زاده ذلك سوى توكل على الله واعتماد عليه وحده.
كان الخلق النبيل هو العنوان الأبرز للإعلامي الكبير سليمان العيسى -رحمه الله-.
إن نسيت أيضًا فلا أنسى اتِّصاله في كلِّ مناسبة أو عيد يعايد ويهنئ ويدعو للجميع بِكلِّ أدب واحترام وتواضع.
رحم الله الإعلامي الكبير والأديب الرائع سليمان العيسى وأسكنه فسيح جنَّاته.
d-almushaweh@hotmail.comفاكس: 014645999