قبل سنوات، تورط مسلسل «طاش ما طاش» بأن أصبح لسان الشعب، وعليه أن يتخلى عن أبعاده الفنية تماماً، وأن يتحول إلى مقالة صحفية ناقدة وناقمة ضد من يعيق التنمية والتطور في المجتمع، وهو الأمر الذي جعل الناس ينتظرون منه حلاً لمشكلاتهم الاجتماعية والخدمية، وفي حال تخلى عن ذلك، ولو في حلقة واحدة، وقدّم فناً خالصاً، فإنه يتعرض إلى انتقاد شديد، وقد آمن المشاهد بأن هذه المساحة من الوقت الذهبي الرمضاني، هي ملك له، وله الحق أن يوجّه منتجي المسلسل كما يشاء، وكأنما فلت الزمام من الشركة المنتجة للمسلسل.
هكذا تورط الممثل داود الشريان - وحينما أقول ممثل، فهو صاحب بدايات مسرحية مبكرة بجوار الممثل الراحل بكر الشدي - رحمه الله - وصنع من نفسه صوتاً للناس، وهذا أمر جميل، لكن الخلل في أنه لم يكتفِ بذلك، بل حاول أن يكون هو أيضاً قرار الحكومة، أو ربما أوهم نفسه، قبل أن يوهم الآخرين بأن في يده، وفي برنامجه «الثامنة»، أن يعقّب على تنفيذ موضوعاته المطروحة، خاصة حينما خصص حلقة كاملة، تناول فيها ما تحقق من مطالبات برنامجه التلفزيوني.
فهو، أي داود، كان رائعاً في الجزء الأول من دوره الإعلامي، وهو ممارسة حقه الصحفي والإعلامي في انتقاد ما يريد من موضوعات في الشأن الاجتماعي العام، وهو الدور الحقيقي والطبيعي لأي إعلامي حر، ولكن حينما يحاول أن يثبت أن ما يطرحه من موضوعات ومشكلات، تتحول إلى انفراج سحري وحل سريع، هو أمر لا يتفق مع دور الإعلام في كشف المشكلات الاجتماعية والخدمية، ومحاولة طرح مقترحات لحل هذه المشكلات، دون أن يتجاوز ذلك، لأنه ليس على المذيع أو الصحفي أن يتحوّل إلى معقّب، يطارد هذه القضية أو تلك. ولا أن يصبح في مقام جنّي مصباح علاء الدين، يتمدد في فضاء الاستوديو مصحوباً بالدخان، صائحاً بالمواطن المغلوب على أمره: شبيك لبيك، داود بين يديك!.
صحيح أن متابعي «داود» بدأ الملل والسأم ينتابهم، لأنهم أحسوا أن دوره يتمثل في «فضفضة مملة» فقط، وضجيج عال حانق، وصوت محبب ومحرّض، ينتهي بقوله: انتهت الحلقة. وأصبح البعض يرى أنه مجرد «كلام يطير فيه الهواء» ومجرد «مخدّر إعلامي» للمجتمع الذي يعاني من بطء القرارات، وبطء تنفيذ الأوامر السامية، وما السيد داود الشريان إلا جزء من الطمأنة المجانية التي أصابت الناس بعدم الثقة بأي شيء.
هذا الأمر، وهذه الاتهامات التي يطلقها البعض، تجاه «الشريان» جعلته يفكر جدياً بطرح حلقة عن دور برنامجه في حل بعض المشكلات القائمة، وهو ما قام به فعلاً، الأمر الذي ورّطه بدور أكبر من مجرد برنامج تلفزيوني، بدور يحمّله أكبر مما يحتمل، وهو بالطبع دور خاطئ، يجب أن يدركه المذيع المشاغب، فدوره يجب ألا يتجاوز عبارة «انتهت الحلقة».
ودوري أنا أيضاً يجب ألا يتجاوز هذه الزاوية، فقد انتهت الزاوية!.