الانسحاب ليس في كل الأحوال سلوك ناتج عن سلبية الشخص، أو إحدى علامات الضعف، بل له معانٍ وإشارات ورسائل عميقة يترجمها هذا الانسحاب. ففي الحب لا يعني دائماً نهاية مشاعر الحب، إنما قد يكون بسبب الشعور بعدم المقدرة على الاستمرار في ممارسة الحب، لأي ظرف من الظروف أو خوفاً من فقدان الشعور بالحب، فيكون الانسحاب علامة على الاستمرار في الشعور والتوقف عن الممارسة، هذا الشعور الذي يجوب المشاعر ويتخلّلها ويمنحها القدرة على التجاوب مع شؤون الحياة.
ما أقوله هو ناتج عن تصور مجتمعي ثقافي لعلامات الانسحاب، وأنها تعني النهاية، فيفترق الجسدان بشعور يرسم عليهما الابتسامة حين يطول الزمن على الفراق، من ذكرى جميلة، وكلمة عذبة، وزهور من التسامح تجبر جروح الماضي. في ثقافة بائدة لا يرى بعض معتنقيها للانسحاب سوى معنى واحد هو (الرفض) وما ينتج عنه من تمادٍ في التجريح إلى حد الوصول إلى مرحلة البغضاء والكره، وهنا مفاصل الألم، أن يرتقي الحب ذات يوم بهما، ويهوي الكره في يوم آخر فينسف كل ما بناه القلب وما يتبعه من تصرفات كانت في يوم من الأيام تنطلق من الحب وتعطيه التفسير الأنبل للطرف الآخر. الكره للأسف هو نهاية لكثير من الحالات وما نرى ونسمع عن حالات الطلاق التي تنتهي بالفضائحية بين الطرفين، وها هي المحاكم يرتد صدى تلك الأصوات بين جدرانها إلى ما يخرج ليجرح كل إنسان يأسف أن تكون تلك نهاية المحبة والعشرة التي استحالت أن تستمر، فكان الانسحاب ضرورياً كنهاية لا يتقبلها البعض، إنما هي الأفضل برغم وجعها!
المرأة تنسحب إذا جُرحت، إذا تم اغتيال أحاسيسها وأنوثتها، إذا تمت المحاولات لتقسيم شعورها وإعادة تركيبه ليتوافق مع أنانية الرجل. تُعلن رفضها، تقول -لا- تخرج من حياته إلى الأبد، لن تُمارس أي نوع من الحياة معه، لن يكون بداية صباحها، ولا مخدتها التي ترتمي عليها بعد يوم حافلٍ بالحياة العائلية والعملية، والشد والجذب، لتجد معه الهدوء والطمأنينة وبرعايته التي تسحب منها كل الشحنات السلبية المختزلة طوال يومها، وهي له كذلك. ستخرج وتنسحب وتفقد كل شيء، وتخسر كل شيء، لأن الكرامة لا يوازيها مقدار لحظة من سعادة تعيشها على حساب خسرانها لذاتها. قد يرفض البعض منكم هذه الفكرة، ويُلقي باللوم على المرأة التي أفسدت على نفسها وبعثرت حياتها، خصوصاً إن كانت تعيش حياة مليئة بالحب، وهذا الحب لا يأتي للإنسان سوى مرة واحدة في حياته، وهناك بشر عبروا ومضوا إلى الثرى ولم يشعروا بهذا الحب، رغم هذا أقول إن الخيارات تحكمها الظروف، والقدرة على التحمّل تختلف من شخص لآخر، إلا أنها كلما ارتبطت بالكرامة لشخص عاش الحب إلى حد الأعماق، فإن شعوره بكرامته يتضح أكثر ويبرز بشكل واضح، لدى المحب الذي لا يستطيع رؤية محبوبه إلا بصورة لا يقبل لها أن تتغيّر، قد يكون هذا نوع من الأنانية، ربما، والأنانية في الرجل محرّمة على المرأة في مجتمع لا يرى بأساً في أن تتقاسمه أربع نساء!
www.salmogren.net