تفسح الدول الكبرى الطريق أمام القتل الدموي في سوريا، - وأبعد من ذلك - عندما تقف الإرادتان - الروسية والصينية - بالمرصاد في وجه أي محاولة دولية - ولو شكلية -، لوقف نزيف الدم في سوريا، من أجل حساب مصالحهما الشخصية، ومن أهمها: عدم القبول بفكرة القطبية الواحدة، التي تنفرد بها الولايات المتحدة الأمريكية، لقيادة العالم ضمن ما يُسمى بـ: «النظام العالمي الجديد».. وهذا الموقف جعل القانون الدولي، يفشل في إيجاد حل للأزمة في سوريا، - باعتبار - أن سلطة القرار في العالم قائمة على المصالح، فهي من يحكم في نهاية المطاف، وليس على المبادئ، والقيم الإنسانية.
تفسير اللعبة المعقدة في سوريا مذهلة، فسوريا تُشكّل العمود الفقري لدولة إيران، وحزب الله، وستُدار بأعلى درجات الحكمة، والحنكة، خشية الانزلاق نحو مواجهة مباشرة، - خصوصاً - وأن المنطقة تنتظر عود ثقاب، لإشعالها، فالدفاع عن مصالح الدول الكبرى في المنطقة، يقتضي الحفاظ على التوازنات، والمعادلات السياسية فيما بينها.
على المدى القريب، فإن الشعب السوري هو الخاسر الأكبر من هذه اللعبة القذرة، وستمتد معاناتهم إلى أجل غير معلوم، فالقضية العالقة بينه، وبين النظام - منذ ما يُقارب السنتين -، لن تأخذ صفة الاستعجال، بل ستأخذ وقتاً أطول مما يتوقع.. وسيستمر المجتمع الدولي في خوض «لعبة المراقبين الدوليين» في سوريا، مقابل المفاوضات على الملف النووي الإيراني، وملف الدرع الصاروخي لحلف الناتو، وملف تدهور الاقتصاد العالمي، - إضافة - إلى ملف الانتخابات الأمريكية، - وبالتالي - لن يتم حسم الأزمة السورية دون حسم الملفات السابقة.
الجميع يعلم أن النظام السوري زائل لا محالة، فسقوط النظام البعثي في سوريا، سيكون طريقاً إلى سقوط نظام الملالي في إيران.. وهذه النتيجة الحتمية ستجعل منطقة الشرق الأوسط، مرتهنة لعقود قادمة بنتائج الصراع، وأثره الإستراتيجي على إسرائيل.. وسيكون التحدي الحقيقي بعد انتهاء الاقتتال الداخلي، في كيفية الوصول إلى تــوافــق في العملية الانتقالية، وتـــوظيــف طموحات اللاعبين الإقليميين حول نقاط الارتكاز، التي يمكن أن يُشكّلها الوضع العام في سوريا في المرحلة القادمة.
في اعتقادي، لن يكون هناك تحالف دولي حول ما يجري في سوريا.. وهذا يعني: أن فرص الحرب الأهلية المدمرة ستزيد، وسيستغل النظام السوري لعبة الوقت مقابل سياسة الأرض المحروقة، وستغرق المنطقة في مواجهات بين الطرفين تستنزف طاقتها، فالدول الكبرى ترى: أنها لا تزال قادرة على استيعاب الأزمة السورية، والتعامل معها بالطريقة التقليدية، وهذه الفكرة يؤكدها قول - الدكتور - أندرو ميتشيشل، من مركز العلاقات الدولية في جامعة أوكسفورد، من أن: «الغرب، لم يتعامل بعد بجدية مع الأزمة السورية»، وأن: «غالبية دوله مشغولة بمشاكلها الاقتصادية، أو تنتظر حسم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة».- ومثله - يقول - الدكتور - والتر أرمبيرست، من مركز الشرق الأوسط في أوكسفورد، إن: «الأزمة في سوريا لا تمس مصالح الغرب، ولا تمثل أخطاراً آنية، وهي - بالتالي - يمكن أن تنتظر تحركاً دولياً طويلاً، لتطويقها»، وهو ما سيعيد عقارب ساعة التاريخ في المنطقة مائة سنة إلى الوراء.
لا عجب عندما يتواطأ العالم، لتزييف الحقائق، ويتجاهل حقيقة الانتفاضة الشعبية السلمية ضد النظام الفاشي، فما يجري جزء من لعبة سياسية كبرى، حيث تتشابك فيها المصالح المشتركة، وتتداخل الملفات المعقدة، وصراع الإرادات الشريرة، والمساومات اللا إنسانية القبيحة، ولا بأس أن يكون ذلك على حساب دماء الشعب السوري الطاهر.
drsasq@gmail.com