أحلم بيومٍ أرى فيه «قطار الخليج» وقد انطلق حراً ينهب الطريق بعيداً عن دفاتر وقيود المحاسبين وخرائط المهندسين، وعن الغرف المغلقة التي يجتمع فيها البيرقراطيون أعضاء لجان التنسيق بين دول مجلس التعاون الخليجي؛ هذا «القطار الخليجي» الذي سمعنا عنه الكثير ولازلنا نحلم بأن نراه على أرض الواقع، بعد أن أشبعه «المختصون» بحثاً ودراسة وتمحيصاً.
دول مجلس التعاون الخليجي تمر بطفرة مالية غير مسبوقة، وأي مشروع كبير يتأخر تنفيذه في الوقت الحاضر قد لا يرى النور لسنوات قادمة طويلة، وقد لا يرى النور على الإطلاق. فالمشاريع التكاملية المشتركة تكون في الغالب هي الضحية الأولى في ميزانيات الدول عندما تتعرّض هذه الميزانيات لأية هزة. وبما أنّ ميزانيات دول المجلس متشابهة في أنها تعتمد على مداخيل النفط المتقلّبة، وبما أنّ مداخيل النفط في أيامنا هذه على خير ما يرام لكنها عرضة للهزّات القادمة من أسواق النفط العالمية التي قد تحدث في أية لحظة، والتي ليس بمقدورنا أن نتحكم فيها كثيراً، فإنّ توقيت تنفيذ المشاريع الخليجية الكبرى هو الآن وليس غداً.
هذا الكلام، بالطبع، ينطبق أيضاً على المشاريع المحلية التي تنفذ داخل كل دولة، لكننا الآن في سياق الحديث عن المشاريع الخليجية المشتركة، وذلك على هامش تصريحات وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف، الذي أوضح مؤخراً أنّ «القطار الخليجي» سينطلق في عام 2018 بعد أن تنتهي الإجراءات الهندسية والفنية. وقد لاحظنا أنّ المشاريع المحلية التي حالت الظروف المالية دون تنفيذها سابقاً قد انطلقت، مثل برنامج المباني المدرسية والقضاء على ظاهرة المباني المستأجرة، ولو تبدّلت الأحوال المالية للدولة ـ لا سمح الله ـ فسوف يتعرّض هذا البرنامج المهم إلى انتكاسة، رغم أنه لا يوجد من يجادل في أهميته القصوى في توفير بيئة مدرسية ملائمة للعملية التربوية والتعليمية. فإذا كان هذا هو حال المشاريع المحلية المهمة وما تتعرّض له من تقلُّبات، فما بالك بالمشاريع التكاملية المشتركة بين دول المجلس!؟
إنّ من الأمور التي يتفق عليها خبراء التنمية الاقتصادية، الأهمية القصوى للمواصلات في تنمية وازدهار الاقتصاد. وإذا كنا نتحدث عن ضرورة وأهمية العمل الاقتصادي المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي، بما يرتقي إلى وضع «اتحادي» وليس فقط «تعاوني»، فإنّ مشروعات النقل والمواصلات تبرز في المقدمة.
أعلم أنّ هناك من سيقول دعونا ننتهي أولاً من مشاريع قطاراتنا المنتَظرة هنا في المملكة، وأرى أنْ لا تعارض بين أن يمضي العمل في هذه المشاريع جميعاً وبالتوازي، فهي في النهاية تتكامل ويعزّز بعضُها بعضاً، علماً بأنّ الجزء الأكبر من مشروع القطار الخليجي يمر بالأراضي السعودية وفق ما أوضحه الوزير، فضلاً عن أنّ ارتباط المواطنين الخليجيين في تعاملاتهم وفي حياتهم اليومية متقدمٌ جداً على وتيرة التنفيذ الرسمي المتهمل لمشاريع التكامل، وعلينا ـ كمثال ـ أن نتأمّل أعداد السعوديين الذين يذهبون إلى «دبي» في المناسبات وفي غير المناسبات! هم يفعلون ذلك بإرادتهم الفردية الحرة، ولو كان الأمر مرتبطاً ببرامج تكاملية رسمية بين حكومات المجلس لما رأينا هذا المستوى من النجاح.
alhumaidak@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض