كنا فيما مضى ننزعج من أخبار تسلل أعداد من الوافدين لاسيما الأفارقة للإقامة بالقرى والمدن الحدودية بطرق غير مشروعة ولا نظامية، ويتملكنا الغيظ حين يتجرأ أحد بالقول إن مواطنا هرّب مخالفين وأدخلهم عبر طرق غير مراقبة مقابل مبلغ من المال، كأن العقل لا يستوعب هذا الجرم والمشاعر تحاول الصدود عنه لاستبعاد أن يفقد مواطن عقله لهذه الدرجة ويقترف هذه الجريمة التي لا طائل منها سوى دريهمات، حتى وإن كان المقابل ملايين فالضرر أعتى وأكبر وأشمل من أن يقاس بالنقود، كنا حينها نسمع من يتحدث بالمجالس عن تهريب أولئك المخالفين فنحاول الخروج لموضوع أكثر أهمية وفائدة للنقاش- لاعتقادنا حينذاك- أن صاحبنا يريد التفّكه والإتيان بالخوارق والعجائب لتلطيف الجلسة أو نظنه ينقل كلاماً لم يتأكد منه فهو صدى لإشاعات لم يتيقن من صحتها، ومع مرور الوقت وتزايد وسائل التواصل الموثقة بالصور والأرقام والأقوال تأكد للجميع أن عمليات الدخول والتسلل غير النظامي بل ومساعدة المتسللين من بعض ضعاف النفوس الجهلة بات أمرًا عاديًا وليس هو المشكلة، بل الأدهى وألاطم ما يترتب على عمليات التسلل من مآس وويلات للأسر والأفراد في القرى الحدودية بسبب قرب الخطر لمنازلهم وأطفالهم من جميع المتسللين أفرادًا وعائلات وإحاطتهم بالقرى والهجر والطرق والمدن وتجاوزهم لمرحلة التسول إلى موجات وجولات من الابتزاز والسرقات بالإكراه والتخطيط والتهديد بالسلاح الأبيض وبكل الألوان الممكنة، والمسروقات يتم تدوير استخدامها في الإعداد والتجهيز لمعاصر الخمور البدائية الموبوءة، وفي شراء الرخص والإقامات والوثائق المزورة المقلدة للرسمية، وبالتالي فبالتزود بالوثائق (المضروبة) ينطلق هؤلاء المجرمون لآفاق ومساحات أكبر للعبث بأمن البلد وأهله دون حياء أو خوف، ولماذا الحياء والخوف إذا كان (بعض) المواطنين هم من يعينهم على التسلل ويقبض منهم مقابلاً مادياً تم تدويره هو الآخر، إذ إن السابقين يتسولون ويسرقون ويحولون أموالاً بطرق مشبوهة لأقاربهم هناك في بلادهم فيدفعون للمهربين ثم بعد دخول هذه الدفعة الجديدة يسددون لهم الدين من السرقات اللاحقة، وهكذا فهم لا يخسرون شيئاً بل إنهم جعلوا من ساعدهم للتسلل وهرّبهم شريكًا لهم بالسرقة وزيادة بخيانة الوطن والأهل والدين والنظام وكل الأعراف الاجتماعية، وكيف يمكن أن نسميه مواطنًا وهو بهذه الصفة، ثم لماذا يخاف المتسلل وهو الذي عرف الأنمة ممن سبقوه وطمأنوه بأن الأمور لا تحتمل القلق ومزيداً من التفكير، ففي أقصى حد هناك ترحيل مع الإعزاز والإكرام ثم العودة للأوكار بعد شهرين على الأكثر، والخوف من نصيب المواطن الذي يواجه حول منزله وفي مزرعته ودكانه غريبًا يجول وقد تعاطى الموبقات ويبيعها علناً كما في قرى الجنوب والطائف بين الجبال، ويجولون بين المزارع جماعات يحملون أنواع الأسلحة فمن أين توفرت لهم؟ وهل تعجز سلطات الأمن عن دحرهم واقتلاعهم والتصدي لمن يساعد بعضهم وقفل المنافذ على البعض الآخر؟!
في الماضي كنا لا نصدق بروايات تهريب المجرمين للبلاد محسنين الظن بنخوة ابن البلد وشيمه التي لم نكن نفكر أنها يمكن أن تثلمها الدريهمات، فأصبحنا نتخيل ما يمكن أن يكون لاحقاً ومستقبلاً فنصدقه من الآن ولا غرابة.
t@alialkhuzaim