يومي هذا مختلف، فمشاعري فيه تضاربت، وحواسي قد اختلفت، ما بين يد تمتد لاستلام بريدي وبريد أحمد، وقلب يهفو للقائه، وقدم تسابق أنفاسي لأسلمه إياه وابتسامتي تعلو محياي، مهلاً فاليوم مختلف، فأحمد وفاطمة لم يعودا بيننا، إنهما في رحاب الله! جلست كشيخ أنهكته السنون وقصفت عمره الأحزان، تلوح لي ذكرياتي معه في الآفاق، ذكريات ذلك المراهق الغض الذي تلقى تعليمه المتوسط والثانوي على يديه، وقد جمعته به بعد ذلك علاقة نسب قريب جداً، فأصبح له الأب والمعلم ومن بعد الصديق الصدوق الذي وقف معه في كل مراحل حياته مسانداً وناصحاً وداعماً بكل ما يملك من رأي ومشورة.
تتوالى المواقف عليّ والدمع يكاد يخفي ملامح وجهي، فمآثره أكبر من أن تذكر، ومحبتي له فوق الوصف.
وتقف بي ذاكرتي عند ذلك اليوم الذي تلقيت فيه نبأ وفاته فسارعت إلى أسرته وأسرتي ولم يترك لي شعوري بمسؤوليتي تجاهه وتجاه من يحب وقتاً لأعطي نفسي حقها فتبكيه. بكيتك يا أحمد، كما بكاك والداك وأهلك وأحبتك، بكيتك يا أحمد كما بكاك أبناؤك، بكيتك يا أحمد كما تبكي الثكلى فقد وحيدها، بكيتك يا أحمد كما بكتك القارة السوداء، وكما بكتك أعمال الخير في كوسوفا وغيرها، بكيتك يا أحمد كما بكتك مآثرك هنا وهناك، وكما بكاك كل من عرفك ومن لم يعرف منك إلا أعمالك وآثارك دون أن يراك.
عزائي هو أنك ذلك الفارس الذي يمتطي صهوات الجياد واحداً تلو الآخر فيمر مسرعاً إلى غايته تاركاً الآثار دون أن يعرف صاحبها، فلا يهم من صاحب الخير وإنما المهم عمله. أنت أحمد الذي حمدت سيرته حياً وميتاً، فعليك سلام الله يا أحمد الفارس وعلى زوجك التي شاركتك العطاء والخير وكانت أماً لليتامى والمحتاجين - عمتي فاطمة السياري - رحمها الله.
طبتما في الحياة وفي الممات، وجمعنا الله بكما في جنات الخلد.