رثاء في الشهيد منيف بن هلال الشلاحي
لم يدُرْ بخلدي يوماً من الأيام أنه سيختلج فؤادي شعور اليأس والملل، وقد كنت من أكثر الناس تفاؤلاً وأملاً، إلا أنني أصبحت أنا والدمع رفيقَيْ درب لا نفترقان.. كنت أظن الدمع أتى ليخفف لوعة الألم الضارب في أعماق النفس، من أثر الفَقْد، ولكن - للأسف - خاب الظن فيه؛ فقد زاد الجراح اتساعاً، وأبى الدمع أن يفارق المقل.
لله درك أيها الموت.. أخذت من الصفات ما يجعلنا نخشاك ونهابك.. هاذم اللذات - مفرق الجماعات - ميتم الأبناء والبنات.. نعوذ بالله من كل هذه الصفات. أما أنا فقد خرجت من المصاب أكثر قوة وصلابة؛ فالآن لا أخاف منك بل أتمنى مقابلتك؛ فقد انتزعت قلبي من بين أضلاعه، وتركتني جسداً بلا قلب.. لا تعجبوا فمن فقدنا رحل وهو شامخ الهامة، شهيداً في سبيل الله خدمة لأبناء الوطن من آفة المخدرات، ضحى براحته ووقته قبل أن يلحقهما نفسه، كان مهتماً بمكافحة هذه السموم، مؤدياً عمله بأكثر مما هو مطلوب منه، حتى شاء الله واصطفاه وجعله من الشهداء، قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (169 - 170) سورة آل عمران. ما يبعث في النفس أنساً أن الشهيد منيف بن هلال الشلاحي كان محبوباً من الجميع؛ ففي يوم الاثنين الموافق 1-11-1433هـ اكتظ جامع الراجحي بالمصلين لصلاة العصر، كان جميع المشيعين يبكون بكاء الابن على أبيه، والأم على ابنها، فلا تستطيع التمييز بين أب الشهيد وزميله في العمل، وما بين شقيق الشهيد وجاره في السكن.. فكلهم مصابهم واحد، لم يسبق لي أن رأيت مثل هذا الموقف.. فتذكرت قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال إني أحب فلاناً فأحبه، قال فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول إن الله يحب فلاناً فأحبوه فيحبه أهل السماء. قال ثم يوضع له القبول في الأرض». كيف لا نحبه وهو إضافة إلى قوة إيمانه بالله امتلك الأخلاق الحسنة، فلا نستطيع مجاراته في الكرم ولا في التبسم الدائم ولا في قضاء حاجة من احتاج إليه، ولا في النصح والإرشاد. الحمد لله على كل حال، وأسأل الله لك يا أبا عزام أن يبدلك داراً خيراً من دارك وأهلاً خيراً من أهلك، وأن يوسع في قبرك مد بصرك، وأن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، وأن يعوضنا في ابنك البار إن شاء الله عزام، وأن يجمعنا بك في الفردوس الأعلى من الجنة. إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا على فراقك يا أبا عزام لمحزونون. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
عضو الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية