لم يكن مدير البحوث والدراسات الاقتصادية في مجلس الغرف السعودية الدكتور مغاوري شلبي مبالغاً، حينما أشار إلى أن القضاء على الفساد في المملكة سيرفع متوسط دخل الفرد على المدى الطويل من 21 إلى 84 ألف دولار في السنة، أي من 78 ألفاً إلى 315 ألف ريال، بمعنى أنه متوسط دخل الفرد شهرياً سيرتفع من 6500 ريال تقريباً، إلى 26.250 ريال شهرياً. وهو رقم كبير، بما يعني أن الفساد الاقتصادي لدينا كبير ومقلق، وقد ذكرت في هذه الزاوية أن المأزق في التجاوزات الإدارية والمالية في المؤسسات الحكومية ترفرف علناً بجناحين لا ثالث لهما، هما ضعف أجهزة الرقابة الداخلية من جهة، وسهولة اختراق أنظمة الشراء الحكومي والمناقصات والعقود، مما يفقد المنافسة الطبيعية، ويصبح من الممكن ببساطة التحايل والالتفاف على الأنظمة بكل بساطة، دون ترك أي أثر للجهات الرقابية.
ربما لا يدرك كثيرون أن القضاء على الفساد، أو تقليل نقاطه إلى أقل حد ممكن حسب مؤشر الفساد العالمي، سيحقق للبلاد الكثير، وسيؤدي بالضرورة إلى تحسين الأحوال المعيشية لمختلف فئات المجتمع، فيكفي أن القضاء على الفساد يخفض وفيات الرضع إلى 75% حسب دارسة البنك الدولي، وأن الإدارة الجيدة التي تقضي على الفساد، وتجفف منابعه، تحقق مردوداً اقتصادياً يبلغ 400%، لأن الفساد الاقتصادي ينهك ميزانية أي دولة، وفاتورته الباهظة تهز أي اقتصاد مهما كان متيناً، فمن يتخيل أن قيمة الرشاوى الدولية تبلغ سنوياً 80 بليون دولار، حسب تقرير البنك الدولي، ومن يصدق أن فاتورة الفساد على مستوى العالم تبلغ تريليوني دولار، ولمن لا يعرف أصفار التريليون -كما الزميل محمد الرطيان- هي اثنا عشر صفراً، أي أن التريليون يساوي ألف مليار، أي مليون مليون دولار! أعرف أن الرقم أربك عقولكم، كما أربك عقلي المتواضع، لكنه هو الواقع كما في تقرير البنك الدولي، أي أن إجمالي فاتورة الفساد في العالم مرعبة، وكل دول العالم تحاصر الفساد وتلاحقه، لأنها تدرك أنه ينهش اقتصاداتها بشكل مخيف.
ولعل جميع دول العالم بلا استثناء، تدرك أن الفساد شر لا بد منه، وأنه من المستحيل أن تتخلص أي دولة، وبشكل نهائي وقطعي، من تغلغل الفساد في المؤسسات العامة والخاصة، ولكن علينا أن نؤمن أنه من الممكن جداً خفض مؤشره إلى أقصى حد ممكن، ولعل الدول في العالم تتباهى فيما بينها بالوصول إلى صدارة جدول الدول الأقل فساداً، ذلك يعني أنها تتمتع باقتصاد قوي، يدعمه قوانين محكمة، وأنظمة رقابة دقيقة، ولدت شعوراً بالمسؤولية، وهذا ما نحلم أن يتحقق لدينا، مع نشوء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، قبل سنة ونصف تقريباً، وهي لن تحقق أهدافها، بل أهداف الوطن، ما لم تتعاون معها الجهات الحكومية والمؤسسات الخاصة، بل والمواطن نفسه، الذي يترتب عليه دور مهم وحيوي في تقليم أظافر الفساد الاقتصادي، كي يساهم في رفع مستواه المعيشي، ويزيد من فرص ارتفاع دخله السنوي.