عددٌ غير قليل من قضايانا الاجتماعية ظل محل جدل ومثار نقاش طويل لم ولن ينتهي، لعدم وجود قناة تواصلية دقيقة مع المجتمع تُمكِّن الدولة ومراكز صُنع القرار على وجه الخصوص من رصْد ثم قياس اتجاهات الرأي العام لكل شرائح وأطياف المجتمع.
وكما نعلم فإن الرأي إذا تم رصده وقياسه وتحديد اتجاهاته، فسيحدث فارقاً هائلاً في تصورات أصحاب القرار، وسيؤدي إلى الحصول على قرارات أكثر رشداً أو على الأقل آراء تدعم قرارات الدولة، وفي أكثر من مناسبة أكد ولاة الأمر أن بعض القضايا المطروحة تحتاج إلى قرار اجتماعي لأنها ذات صلة وثيقة بعادات المجتمع وتقاليده وقناعاته التي ترسَّخت طيلة العقود الماضية مع الأخذ في الاعتبار التغيرات التي تطرأ على المجتمع، فما هو مرفوض قبل سنوات قد يكون مقبولاً في الفترة الراهنة، وعلينا استرجاع كثير من تلك الأمثلة، لنتأكد من أن المجتمع السعودي يمر بتغيرات سريعة جداً، وحالات تبدُّل في القناعات تدعم فكرة المطالبة بإنشاء مركز متخصص لقياس اتجاهات الرأي العام، لرصد وقياس اتجاهات رأي الناس كما هو معمول به في أكثر دول العالم تقدماً، على أن يكون الرصد مستمراً ولا يتوقف عند حد معين، فكل عام نحتاج لتحديث الاستطلاعات للحصول على نتائج جديدة، وهكذا.
الرأي المطروح حالياً في القنوات الفضائية والإذاعة والصحافة والمواقع الإلكترونية لا يُمكن الاعتماد عليه كلية فهو لا يُمثل إلا نسبة قليلة جداً قد لا تتعدى 5% من التعداد السكاني، قد يُؤخذ به كأحد المؤشرات المطلوبة والهامة كونه يُمثل رأي النخب الفكرية في البلد، وهو رأي له أهميته فهو يُعبِّر في بعض الأحيان عن نبض الشارع، لكن إشكاليته لدينا بأنه يتوزع بين متشددين مناوئين يرفضون جميع الحلول ويرون أنها لا تتوافق مع الدين، ومنفتحين يؤكدون على أن الأغلبية تؤيد وبشدة كل الحلول وتُمثل الغالبية الوسطية قلة غير معتبرة.
بين هاتين الفئتين غاب الرأي العام الصادق والواقعي والذي تتمثّل أهميته في أنه يُشكّل الأساس لاتخاذ القرارات المفصلية والمؤثرة في حياة الناس، خصوصاً عندما تزمع الدولة طرح مشاريع أو أفكار أو أساليب جديدة على الناس حينها لا بد من قياس الاتجاهات نحوها.
غاب رأي الأغلبية الساحقة عن المشهد العام عندما عُدمت الوسائل الفعَّالة والتي توصل رأيها واقتصرت على البوح بآرائها في المجالس الخاصة والاستراحات والمنتديات الاجتماعية, ولنأخذ أمثلة على بعض القضايا الساخنة، لنرى أن اتخاذ قرارات حكومية بشأنها يحتاج للتعرف على رأي المجتمع مهما كانت نوعيته، لأن العبرة في النهاية ستكون في نسبة الأغلبية لا القلة.
بطالة الشباب وغلاء الأسعار والعمالة الوافدة وأنظمة المرور ومنها تحديداً نظام “ساهر”، ونظام حافز, ونوعية الخدمات العامة المقدمة للمواطنين ومدى جودتها ومشكلات الطلاق والعنوسة كلها هموم يئن تحت وطأتها الشديدة المواطن ويقابلها قضايا معلقة تُطرح كل حين مثل عمل المرأة في كل المجالات وقيادتها للسيارة وممارستها للرياضة، ويشتد التنازع بين من يرى أنها مهمة، ومن يرى أنها كماليات وتوافه لا يقرها الدين.
رصْد الرأي العام وقياسه بمقاييس علمية موثوقة يُمثل نقلة نوعية لو تحقق، ويكشف عن الرأي الصادق دون تضليل أو تزييف ويساعد على ترتيب الأولويات وما هو مهم وما هو أقل أهمية.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15