لأن الأمن القومي كل لا يتجزأ فعلى الذين يريدون تأهيل «النظام الإيراني» وجعله أكثر تفهماً للقضايا العربية أن ينظروا ويدرسوا بكل صدق ووضوح قدرتهم على التعامل مع نظام إيران وفق محددات لا يمكن تجاهلها أو تركها، ومن أهمها مع من يتم التعامل في إيران، وكل جهة لها توجهها ونظرتها وحتى أيديولوجيتها من المرشد العام للثورة الإيرانية علي خامنئي، الذي يدير البلاد من خلال ممثليه الذين يوجدون في كل الأسلحة والوزارات والهيئات العامة، أم مع «الحوزات» بما تضمه من مراجع وآيات، الذين لهم مقلدون وأتباع حتى خارج إيران، أم مع الدولة الرسمية من رئيس الجمهورية والوزراء ورؤساء المؤسسات الحكومية، أم مع الحرس الثوري الذي يعد دولة داخل دولة، وإن لم تغب عين المرشد عنها من خلال وجود ممثل له.
هذا التعدد للأجهزة والرؤوس الحاكمة في النظام الإيراني يربك أي دولة تريد أن تعيد علاقتها مع هذا النظام، فضلاً عن تفعيل هذه العلاقات التي تعاني ارتباكاً وتعقيداً. والدول التي لا تزال تقيم علاقات دبلوماسية تقتصر على الحد الأدنى من العمل الدبلوماسي الذي يهدف إلى رفع مستوى العمل بين البلاد. وتعاني الدول العربية بخاصة، إضافة إلى الدول المجاورة كتركيا وأذربيجان وأفغانستان، من تداخل الصلاحيات والمسؤوليات التي يؤديها ويتمتع بها المرشد العام للثورة الإيرانية، الذي يوفر له احتلاله موقع «ولي الفقيه» أن يكون الآمر الناهي، وأن تكون كلمته فوق الجميع، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية وأدوار الآخرين، وبخاصة الحرس الثوري، ومن ثم المراجع والآيات، وأخيراً الدولة الرسمية، بما فيها سلطاتها الثلاث التنفيذية «الرئاسة والحكومة» والتشريعية «مجلس الشورى والمجالس الأخرى كمجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء»، والسلطة القضائية التي للملالي من آيات ومراجع امتدادات داخلها وتأثير فيها.
تداخل مسؤوليات وصلاحيات هذه القوى الأربع، التي تشكل كل منها كتلة مؤثرة، تجمع بين النفوذ السياسي والديني وحتى العسكري، أربك عمل الدول مع إيران؛ حيث جعل الكثير من الدول لا تفهم مع من تتعامل، ومن الذي يعبر عن الموقف الحقيقي لإيران. وقد كشفت «تصريحات النفي» التي يقوم بها وزير الخارجية أو الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية الوضع المربك لمعرفة الموقف الإيراني؛ فرئيس الحرس الثوري وقادة أفرع القوات المسلحة يطلقون تصريحات تؤكد تدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وبعض التصريحات تحمل تهديدات مباشرة، وبعد أن تغضب هذه الأقوال الكثير من الدول يحاول وزير الخارجية أن «يطفئ نار الغضب» بنفي ما قاله المسؤول العسكري، أو المرجع المذهبي، أو خطيب الجمعة، أو أحد أعضاء مجلس الشورى.
أقوال ومواقف تثير الحيرة، وتُحدث (لخبطة) لدى كل من يريد أن يبرمج علاقاته مع إيران؛ وهو ما يفرض على من يريدون تفعيل دور نظـام طـهران في المنطقة أن يعرفوا قبل ذلك مـع من يتعاملون!!
jaser@al-jazirah.com.sa