ماذا لو أتاك سائل وطلب منك 100 ريال؟ ربما ترفض. ثم إذا طلب منك 20؟ ربما تلين وتعطيه. هل حصل لك موقف مثل هذا؟ إذاً مبروك، فقد سقطتَ ضحية لمبدأ رد الجميل!
هذا مبدأ نفسي يستخدمه الناس للتأثير على غيرهم، وهو عدة أنواع، من أشهر أنواعها مبدأ رد الجميل أعلاه، فلما رفضتَ الطلب الأول خلق هذا لديك شعوراً بالذنب ولو صغيراً، فلما أتى الطلب الثاني شعرتَ أن الشخص قد قدم لك نوعاً من التنازل من 100 إلى 20، فتشعر أن كما هو تنازل عن طلبه الأول فعليك أن تتنازل عن رفضك وتعطيه فتكون قد رددت له جميله، وهذه شائعة في البائعين كذلك، فغير التنازل فهناك عنصر آخر اسمه «الرفض ثم الرضوخ»، وهو أن ترفض شيئاً في البداية ثم توافق على الآخر، فيعرض بائع عليك سلعة ثمينة ويبدأ في شرح مزاياها بحماس، فإذا أبيتَ شراءها (الرفض) أتى شعور الذنب خاصة وأن البائع كان مجتهداً مبتسماً، فتشعر -بشكل غير مباشر- أن عليك تعويضه عن جهده الضائع، فإذا عرض عليك سلعة أخرى أقل ثمناً زادت احتمالات شرائك لها (الرضوخ). البائع هو الفائز في كلا الحالتين، فإذا وافقتَ على شراء السلعة الثانية الأرخص كان ذلك لصالحه، وإذا وافقت على الأولى الغالية كان ذلك أفضل!
قد تتساءل وتقول «طيب، لكن بعد أن أعرف حيلة البائع فإنني سأستاء ولن أشتري منهم مرة أخرى، بل ربما أعيد السلعة ويفقد المكان مصداقيته». هذا ما تقوله الآن بعد أن عرفت تفاصيل هذه الحِيَل النفسية، ولكن هذه الحيل تحصل خفاءً ولا ينتبه لها المشتري، والأهم من هذا كله أن هناك عاملين أساسيين يجعلان الشخص يكمل البيعة بل ويعود لاحقاً: الأول هو المسؤولية. لنفرض أنك في متجر وعرض بائع عليك سلعة. سعر التكلفة 10 ريالات. المتجر يرغب في بيعها بما لا يقل عن 70 ريالاً. يأتي البائع ويعرضها عليك بسعر 150 ريالاً، تستكثر المبلغ وتفاوضه، فيُظهر الرضوخ ويقول إنه سيعطيك خصماً خاصاً ويعرضها عليك بسعر 100 ريال. توافق، تعطيه النقود وتخرج سعيداً، لكن الحقيقة أن المتجر هم السعداء فعلاً، ليس فقط لأنهم أخذوا ربحاً ضخماً بل لأنك خرجت وأنت تظن أنك المسؤول عن نتيجة البيعة. السبب الثاني هو الرضا، فيتراءى لك أنك خفضت السعر بحنكتك وأنهم انهزموا أمامك، فَرِضاك عن النتيجة يجعلك لا تمانع لو عرضوا عليك المزيد من السلع، بل الآن لن ترى بأساً في العودة مرة أخرى لهذا المتجر وتجعله من أماكنك المفضلة!
هكذا تؤتي هذه الحيل أُكُلها، فهي بالغة القوة والخفاء، وهذه الحيل تذكرنا بإحدى الطرائف التاريخية، فيُحكى أن رجلاً ذهب لأحد الخلفاء وقال له: أقطعني (أي أعطني) البحرين. قال: إني لا أقدر على ذلك. قال: فولّني على البصرة. قال: ما أريد عزل واليها. قال: تأمر لي بألفين. قال: ذاك لك. فلما خرج بالمال قيل له: ويحك! كيف ترضى بهذا بعد الأوليين؟ قال: اسكتوا لولا الأوليان ما أعطيت هذه!