الشريعة الإسلامية، ناسخة لما قبلها من الشرائع السماوية، وسط بينها، قال تعالى: « وكذلك جعلناكم أمة وسطاً « لم يدع الوحي الإلهي صغيرة ولا كبيرة إلا وبين الحق فيها والحكم، قال تعالى: « لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها» وكما في ديننا الحنيف العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص فإن فيه السماحة واليسر، وفيه بيان فضل العفو والصفح والتسامح، ابتغاء ما عند الله من الثواب ومضاعفة الأجر، في شريعتنا بيان للحدود الشرعية التي لا تقبل المساومة والجدل وفيها الحدود التعزيرية التي يقدرها القاضي وولي الأمر، كل ما أشرت له ليس بجديد على القارئ الكريم أيا كانت ثقافته الدينية، بيد أن ما أريد تناوله هنا موضوع، تزايد إزهاق النفوس البريئة عند أدنى خلاف، واللاعب الأكبر في هذه القضية هو توفر أداة القتل (السلاح الناري) في يد الصغير والكبير، العاقل والجاهل، بل والسماح في ذلك، حتى استغله العامة والجهلة وصغار السن للتهديد وقطع الطرق وبالتالي ارتكاب الجرائم، يعدون ذلك من تمام (الرجولة) وهذه حقائق تثبتها بيانات وزارة الداخلية عند تنفيذ حد القصاص في حق أحد الجناة، معظمها بسبب خلاف نشأ بين الجاني والضحية على أرضٍ أو محاولة سرقةٍ أو سطوٍ على منزل أو مشادةٍ كلامية أو خلافه، يكون الشيطان الرجيم حاضرا وقتها، وبمجرد حدوث مثل هذه الجرائم المفتعلة في لحظة غاب فيها العقل تبدأ سباقات البحث عن العفو من قبل ذوي الجاني ، وتبدأ لعبة سماسرة الرقاب، والمزايدات في الدم، وتعلن الملايين من الريالات المطلوبة ( التعجيزية) لعتق رقبة الجاني ، ووسائط جمعها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والوسائل الأخرى كالمخيمات والاستراحات وفتح الحسابات البنكية، ولو بحثت عن السبب الرئيس وراء معظم جرائم القتل، لأيقنت أنها بسبب توفر (السلاح ) مع الجاني، إما مسدساً أو رشاشاً، وهذا ما توضحه بيانات وزارة الداخلية، لم نكن في السابق نسمع بهذه الجرائم من الكثرة، لعدم توفر السلاح في اليد مقارنة في الحاضر، الدولة - حرسها الله - في مكافحتها لمثل هذه الجرائم استقت منهجها من تعاليم الشرع الحكيم، وحدّدت في ذلك قيمة الدية الشرعية، لكن النفوس الضعيفة التي يقودها الطمع ويدفعها سماسرة الرقاب لتحقيق هذه المآرب الشهوانية، كانت من الأسباب التي زادت من تفاقم مثل هذه المشاكل المؤرقة، أظن أن جرائم القتل التي تتم عن سبق إصرار،لا تحتاج إلى طلب العفو ولاحتى مجرد النظر فيها، نعم الكل يقدر مشاعر ذوي القاتل، لكن هذا جزاؤه في هذه الدنيا، حتى يكون عبرة لغيره ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب..) كما أن الكل يقدر مصيبة ذوي المقتول مع أنهم أحياناً وتحت ظروف الطمع يتنازلون عن الجاني بعد أن تتحقق مطالبهم الخرافية، والتي لها انعكاسات سلبية على المجتمع، أقلّها سريان هذه الجرائم فيه واستمراؤها من الكثرة، طالما أنها - في نظرهم القاصر - تحقق لهم ثراءّ فاحشاً، يظنونه تقية لهم من الحاجة والفقر، يتغافلون عن قاعدة (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) وهذا الموضوع قد كتبت عنه، بعنوان (الرقاب والسوق السوداء) لكن الهدف من هذا المقال، هو لتأكيد أن السبب الرئيس وراء جرائم القتل هو (السلاح الناري) لا غير، ولا بد - من وجهة نظري - من التشديد على مسألة تقنين حمله، أما أن يترك متاحاً لمن هبّ ودبّ، فأتصور أن القضية في منتهى الصعوبة، وستظل قضايا القتل جزءا لا ينفك من مجتمعنا المسلم، الذي يفترض أن يكون في منأى منها بحكم تطبيقه لشريعة الخالق سبحانه، بلادنا- ولله الحمد- آمنة مطمئنة من أقصاها إلى أقصاها، وحمل السلاح على الدوام في الحل والتجوال، قد يجرّ النفوس الضعيفة إلى استخدامه من أجل تحقيق رغبات شهوانية بغيضة، ولو لمجرد التهويش في البداية، فمعظم النار من مستصغر الشرر، من وجهة نظري - وأهل الاختصاص أعلم بالحال - أن حمل (العامة) للسلاح، مدعاة لارتكاب جرائم القتل على وجه الخصوص، والشواهد أمام الجميع تُسمع وتُشاهد..
.ودمتم سالمين.
dr-al-jwair@hotmail.com