* آفة المجتمعات والأفراد سيطرة التشاؤم، أو إساءة الظن على شعورهم، وهم يتعاملون مع الآخرين في إدارة شؤن الحياة. صحيح أن هذه النزعات السالبة لم تأت من فراغ، وهي في الحقيقة لا تتعاظم في النفوس ولا تكبر إلا من خلال تراكمات، لكننا نخسر إذا لم نحدّث أنفسنا، ونقود الآخرين إلى ومضات الحياة الجميلة، والمواقف المشرقة.
* في أيام مضت تستوقفك بعض الأخبار، إما لظرافتها، أو لأهميتها وعمق مغزاها في الشأن العام للمواطنين الذي أمسى أوجه التقصير فيه حديث المجالس ليصبح المسئول الذي يعي مسؤليته، وبعد أن ارتفعت سقف المطالب - همه الأكبر إدارة مهام مؤسسته بأسلوب الأزمات، وإن لم يفعل سيفقد صفة السيطرة على الوضع، ومن المؤكد أن أسلوب بعض المطالب من المواطنين، والحدة التي لم نعهدها منه قولا وفعلا ستتلاشى مع مرور الزمن، مع تحسن الأداء، وتوافر الخدمات.
* من تلك الأخبار السارة ما تناقلته بعض الصحف، والمواقع الالكترونية من زيارات مفاجئة لمسؤلين كبار يعدون من طبقة القيادات الإدارية المؤثرة، لم تكن الزيارات كالمعتاد شرفية، أو استجابة لدعوة من وجيه، بل حملت سمة التفتيش والمراقبة، والمتابعة لم تختم بعبارة ودّع بمثل ما استقبل به من حفاوة وترحيب لأنه لم ينشد ذلك ابتداء، وفي ذات السياق والأسلوب مسؤل آخر، وبذات المكانة، وقبل فترة ليست بالقصيرة يوجه جميع المؤسسات الحكومية والأهالي بإلغاء الدعايات والإعلانات الشوارعية، وإقامة الولائم أثناء زياراته التفقدية.
* مسؤل آخر وفي أحد أروقة المحاكم يخلع مشلحه، ويتناسى صبغة الحصانة التي أسيء فهمها، ليجلس على مقعد موظف الاتصالات الإدارية، ويستقبل المعاملات ويوجه عليها مباشرة، مختصرا الكثير من الاجراءات، والتحصينات التي سوّق لها بشكل خاطئ من لداته في العمل.
* تلك النماذج التي أومأت إليها ليست بحاجة إلى ذكر أسمائها، فأفعالهم سبقت أقوالهم، والإطراء المفرط أمام الكبار بسلوكهم قد لا يرتضونه، وربما يرونه مقللا من شأنهم، وأمانة الكلمة والضمير تستوجب أن نسرد هذه المواقف المشرقة في سلوكنا، في عصر قل الانتماء، وانعدم الإخلاص إلا من النزر اليسير .
لا خلاف أن ما قد يلاحظ من تراجع في بعض الخدمات، وسوء تنفيذ، أو تقصير في تقديمها نابع في بعض صوره من قلة المتابعة، والإهمال في المحاسبة، والتهاون في تطبيق الأنظمة، وظهور طبقة من المجتمع، أو المسؤولين كانوا يرون أنفسهم فوق المساءلة، إما جهلا، أو تعاليا، أو غرورا، لكن وبعد أن رفع خادم الحرمين الشريفين راية الإصلاح، وألزم المسؤول بانتهاج سياسة الباب المفتوح، وأخذت عبارة (كائنا من كان) مجراها وزخمها، تحطمت الحواجز فجأة، ومارست بعض ما يمكن تسميته مؤسسات المجتمع المدني أدوارها، وشرّع للانتخابات في بعض المجالس، دخل المواطن كشريك أساسي في برامج الإصلاح والتطوير في البلاد، ولم يعد الجيل الصاعد الناشئ يؤمن بما كان يؤمن به سلفه من محاباة، ومداجاة، ومجاملة، إذ أتيحت له فرص الاطلاع على كامل حقوقه، وبدأ يتخذ أسلوب المقارنات بينه وبين غيره، وبخاصة بعد أن طافت فئة من الشباب بلدانا كثيرة من العالم، ورأوا جميع مالديهم من سلبيات وإيجابيات، ولا يزال الكثير منهم، ورغم خطوات الإصلاح المتسارعة يرى أنها دون المطلوب، ولا تحقق جميع الطموحات. وهنا يجب أن نشير في هذا السياق إلى بعض الظواهر في أسلوب المطالب اتخذت منهجا خاطئا، فأصبحت البيوت لا تؤتى من أبوابها، بل تسلقوها تسلقا، وهذه الأساليب ينبغي أن يوضع حدٌ لها، حتى لا تتطور إلى ما هو أبعد،فالتهور، وعدم التوازن، واستعجال النتائج يقود المجتمعات إلى ما لا تحمد عقباه.
dr_alawees@hotmail.com