يُقال إن أول برلمان تم تأسيسه كان في أسبانيا في مملكة ليون في عام 1118م، وأن مصطلح برلمان استخدم لأول مرة في المملكة المتحدة في عام 1236م، وأن أصل كلمة برلمان مشتق من كلمة “parler” الفرنسية، وهى تعنى النقاش والحوار، وعادة تكون مهمة البرلمان إصدار التشريعات ومراقبة تنفيذها، ويتم اختيار أعضائه من خلال انتخابات عامة، يختار فيه الناس ممثليهم، وتكون مهمتهم تمثيل الناس أمام الحكومة التنفيذية، ويكون الحوار فيه مفتوحا وغير مقيد بخطاب محدد، وكثيراً ما شاهدنا على التلفزيون خلافات تصل أحيانا إلى التشابك بالأيدي.
اشتهر برلمان مملكة الأردن بالمشاجرات، وكانت الأحذية تتطاير عند نشوب أي خلاف بين النواب، وكانت أحد الاقتراحات أن يدخل الأعضاء قاعة البرلمان بلا أحذية، وقد يكون “العقال” سلاح المشاجرات في البرلمان السعودي لو قررت الدولة -حفظها الله- المضي في هذه التجربة الحية، والتجربة البرلمانية تعيد الحيوية في المجتمع، ولتبسيط ملامح هذه التجربة على القارئ العزيز مشاهدة برنامج الثامنة الذي يقوم فيه الإعلامي المميز، وقد نجح داود الشريان في دفع بعض من الحيوية بين المواطنين، وجذب انتباه المشاهد إلى كيفية محاسبة المسؤول، ونجح في إعطاء الناس حق التمثيل الإعلامي من مختلف فئات وشرائح المجتمع، لكن الإضافة الأهم أن “الهواش” والصراخ والتلويح بالعقال أمر مقبول اجتماعيا عند الحوار حول مصالح الناس وخدماتهم، وأيضاً من نجاحاته ابتعاده عن الخطوط الحمراء في السياسة والدين، وتركيزه على حاجات المواطنين وتعطيل مصالحهم.
تنحصر مشكلة البرنامج البرلماني الناجح في مهمة تنفيذ توصيات مقدمه في نهاية كل حلقة، وهل هناك من يتبنى ما يُطرح في البرنامج من مشكلات وحلول، أم إنها من أجل التنفيس قليلاً من انتفاخ بالون التوتر بين الناس، وأعتقد أن سر نجاح البرنامج ليس في إتقان داود الشريان في إدارته، ولكن لكثرة المشاكل التي تواجهها التنمية في السعودية، لدرجة أنها أصبحت جزءاً من يوميات المواطن، وبما أني أحد المشاهدين المتابعين للبرنامج فكرت أكثر من مرة أن أتصل بالبرنامج لأطرح تعثر بعض المشاريع التي أصابتني بالملل والإحباط من تعثرها، منها على سبيل المثال جسر سيل في أحد ضواحي الرياض، وأذكرها في هذا المقال، ليس من باب أن يتم الإسراع في تنفيذها، ولكن لإدراجها ضمن أبطأ تنفيذ جسر سيل في العالم، فحسب ما أشاهده أن المنفذ يأتي لموقع العمل مرة كل ثلاثة أشهر ليضع عدة أسياخ من الحديد المسلح وعدة أخشاب، وعلى هذه الوتيرة سيحتاج المقاول إلى سنوات لإتمام جسر السيل في الضاحية، لكني أعدت النظر، وقررت أن لا أتصل ببرلمان الأستاذ داود، وأن أرحم سكان الضاحية من عناد المقاول، وأرحم المشاهد من قضية إهمال بسيطة لمقاول أمام المشاكل الكبيرة التي يعرضها البرنامج، ولم تجد طريقة أو قرارات لحلها، وقررت أن أدعو الله أن يهدي المقاول ويكمّل الجسر.
خلاصة الموضوع، أني أجد في نجاح تجربة الشريان فرصة ممكنة للاتجاه نحو انتخاب برلمان يمثل مطالب وحاجات الناس، وأرى أن الوقت لم يعد يحتمل التأخير، لأن الأمر ببساطة يتعلق باستحالة أن يكون المشرع هو المنفذ وهو المراقب في نفس الوقت، وأيضاً لأن ثقافة البرلمان أثبتت جدواها، وأصبحت من أبجديات الإدارة المحلية، على أن تكون مهامه إصدار التشريعات للخدمات، ومراقبة تنفيذ المشاريع حسب ما يقره من أنظمه وقوانين، وأن لا يتطرق للقضايا السياسية والدينية، فقط نريد منه أن يصلح حال المشاريع المتعطلة، وأن يراقب المال العام، ويحافظ على ثروات البلد، وسأكون أول المشاركين في الانتخابات، وسأعطي صوتي لداود الشريان، وسأطالب لأن يكون أول رئيس للبرلمان السعودي، على أن يدير الجلسات البرلمانية مثلما يديرها في برنامج الثامنة، وأن يلوح بالعقال عالياً إذا ثبت أن أحدهم يتلاعب بمصالح ومستقبل الوطن، والله المستعان.