تعتمد وزارة البلديات العديد من المخططات الهيكلية للمدن السعودية وهذه المخططات تلعب دوراً كبيراً في رسم البيئة العمرانية المستقبلية للمدن السعودية. ويبدو أن زيادة الأدوار على الطرق الرئيسية والسريعة أصبحت عنصراً واضحاً في تلك المخططات.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تنحو مدننا نحو هذا الاتجاه الذي سيقودنا بلا شك نحو نماذج المدن النامية؟ لقد ازدحمت المدن وخاصة الكبرى منها مثل الرياض وجدة والدمام بسبب تركيز النشاطات والكثافات العمرانية على الشرايين الرئيسية حتى أصبحت أعلى المباني ارتفاعاً تقع على الشرايين الرئيسية أو السريعة مما ساهم في إخراج الطرق الرئيسية عن وظيفتها الرئيسية وهي نقل المرور إلى خدمة الأراضي المجاورة وهو أمر يخالف أساسيات مبادئ تخطيط المدن.
كما ساهمت أنظمة البناء الجديدة المعممة على جميع مناطق المدينة (مثل زيادة الأدوار على الشوارع الـ30-36م في مدينة الرياض) إلى تغيير كبير في التركيبة العمرانية والاجتماعية في الأحياء السكنية. إن زيادة الأدوار ليست مشكلة في حد ذاتها إذا كانت ضمن مخطط هيكلي مدروس يراعي الاحتياجات السكانية... لكنها تمثل مشكلة إذا أطلقت في جميع أجزاء المدينة دون تمييز خاصة إذا كان عرض الشارع هو المعيار الوحيد لذلك. فما الفائدة من المخطط العام للمدينة الذي يحدد الكثافات واستخدامات الأراضي وتحديد المناطق zoning إذا صدر قرار أو تعميم يسمح بتغيير ارتفاعات المباني (وبالتالي كثافاتها) في جميع أنحاء المدينة؟
ويضاف إلى ذلك تعاميم وقرارات تجزئة الأراضي التي أيضاً تعتمد إلى حد كبير على مساحة الأرض وعرض الشارع مما يعني تجاوز نظام تحديد المناطق zoning وبالتالي إضعافه إلى حد كبير. ففي معظم المدن المتقدمة يقوم نظام تحديد المناطق في الاستعمالات السكنية على عدد الوحدات السكنية على الهكتار. حيث يتم تحديد حد أعلى لتلك الوحدات لكل عشرة آلاف متر مربع (أي هكتاراً واحداً) بغض النظر عن عروض الشوارع المحيطة.. والهدف من ذلك هو توفير الخدمات الضرورية لتوفير الحياة الكريمة للساكنين بناء على العدد الأقصى للوحدات السكنية الممكن إنشاؤها حسب نظام تحديد المناطق.
وإذا لاحظنا أن بعض مدننا قد أجازت زيادة الأدوار والكثافة البنائية على جميع الشوارع التجارية بعرض 30 - 36 م وأن تعاميم تجزئة الأراضي لقسائم أصغر يتم تطبيقها على جميع أجزاء المدينة.. وفي كلا الحالتين يتم ذلك دون اعتبار لنظام تحديد المناطق zoning والطاقة الاستيعابية للطرق والخدمات المحيطة فمما لا شك فيه أننا بدأنا نتجه نحو نماذج المدن النامية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.