|
الجزيرة - محمد السهلي:
تفاوت تعامل القطاع المصرفي في البلدان الإسلامية مع المناسك المقدسة، وذلك بحسب مدى نظرة هؤلاء المصرفيين إلى ضرورة هندسة منتجات مالية تستهدف 10 ملايين مسلم يزورون المملكة لأداء الحج و العمرة، إلا أن الملاحظ في التحقيق الذي أجرته «الجزيرة» هو تشكيلة الخدمات المصرفية والتأمينية واللوجستية التي يتم عرضها على الحجاج والمعتمرين من خارج المملكة؛ فمن القيام بالخدمات اللوجستية قبل الحج إلى استخراج بطاقات الائتمان الخاصة بالرحلة المقدسة وتقديم السحوبات على جوائز لزيارة تلك الأراضي المقدسة.. وجاءت معظم هذه المنتجات المبتكرة من الدول الآسيوية ذات الغالبية العظمى من المسلمين مثل باكستان وبنغلادش. وتركزت تلك المنتجات على زيارة مكة للحج والعمرة، وكذلك زيارة المدينة المنورة.
بدأت بعض البنوك في العالم الإسلامي بالابتعاد عن أنشطتها التقليدية، وذلك عبر التركيز على السوق اللوجستية المصاحبة لموسم الحج؛ فبنك دبي الإسلامي بباكستان يعتزم تقديم خدمة القيام باستقبال طلبات الحج، وذلك بالنيابة عن الحكومة؛ حيث أعلن أنه سيبدأ باستقبال طلبات الحج من خلال فروعه المنتشرة بباكستان. ويأتي ذلك بعد أن تم توكيل البنك من قبل وزارة الشؤون الدينية بالبلاد. وتهدف الحكومة الباكستانية إلى إرسال 90 ألف حاج، يتم تصنيفهم إلى ثلاث مرتبات وفقاً لأحوالهم المادية. ومن دون شك سيحصل بنك دبي على رسوم إضافية ودخل آخر عبر خدمة هذا العدد الهائل من الحجاج الباكستانيين. يُذكر أن المصرفيين الباكستانيين عُرف عنهم شغفهم بالمالية الإسلامية إلى جانب الماليزيين؛ الأمر الذي انعكس على المنتجات التي يقدمونها.
التكافل يدخل على الخط
معلوم أن باكستان قد فتحت باب التأمين التكافلي الإلزامي لحجاجها ومعتمريها القادمين للسعودية. ويرى مراقبون أنه بخلاف أن تلك الخطوة ستمتد لدول إسلامية أخرى فإنها في الوقت نفسه قد فتحت مجالاً استثمارياً، لم يتم طرقه لصناعة التكافل؛ حيث تؤمن شركة تكافل باكستان - كويت على أولئك الذين يقصدون المشاعر المقدسة. وتغطي خدمة التأمين هذه حالات الوفاة، والإصابات، وفقدان الأمتعة، وفقدان جواز السفر المخصص للحج والعمرة.
التحالف مع وكالات الحج
وما زلنا في باكستان، ولكن هذه المرة مع ستاندرد تشارترد؛ حيث تحالف البنك البريطاني مع وكالات الحج والعمرة؛ وذلك بغرض تسهيل خدمة عملاء البنك. وغالباً ما تقدم هذه البنوك «باكج» أو حزمة كاملة للحج، تشمل بطاقة ائتمان وخدمات أخرى. وفي بنغلادش يقدم بنك «براك» بطاقة الحج الخاصة به، التي تسمح للحجاج بالتسوق وسحب الكاش من المنافذ القريبة من المشاعر المقدسة. ويصل الحد الأعلى للبطاقة المتوافقة مع الشريعة إلى 1313 ريالاً سعودياً. أما بيت التمويل الكويتي فلم يجد طريقة للترويج لحملاته المصرفية إلا عن طريق سحب جوائز لأولئك العملاء الذين يملكون بطاقات البنك الائتمانية. أما الجائزة الكبيرة المنتظرة فهي التكفل بتكاليف رحلة شخصين للأراضي المقدسة. وإن اختلفت طريقة اختيار الفائز فإن البنوك التي تقدم على هذه الحملات تجتمع في الغاية نفسها. يقول أحد البنوك الإماراتية في أحد إعلاناته في الصحف: «إن النقاط التي تسجَّل كمكافآت والنقاط المجانية ونقاط المسافات المجانية بالطائرة لا تساوي شيئاً بالقياس إلى الثواب الذي يحصل عليه العميل عند استخدامه بطاقات الائتمان الإسلامية».
جوائز مقدسة
ومع هذا لا تزال هذه البنوك تغلف بطاقاتها الائتمانية للحجاج بصور المناطق المقدسة؛ الأمر الذي يفتح بذلك جدلاً عميقاً حول الجانب الأخلاقي والغرض التجاري لهذه المنتجات.
وكانت «الجزيرة» قد نشرت تقريراً مطوَّلاً في رمضان عن ظاهرة لجوء بعض البنوك الخليجية لإصدار بطاقات ائتمانية تحمل أسماء مقدسة إسلامية؛ بهدف إغراء المتعاملين معها، فضلاً عن كون إحدى بطاقات هذه البنوك تحمل اسم وصورة الحرم المكي الشريف؛ حيث تقوم إدارات التسويق بهذه البنوك بتخطيط حملتها الإعلانية بحيث يتم نشر ووضع صورة المسجد الحرام على البطاقات الائتمانية، وذلك على نطاق تسويق تجاري. ويرى بعض الفقهاء أن هذا العمل محل نظر شرعي، وأن الظاهر في هذا الأمر هو عدم جوازه.
وحتى بالنسبة للذين لا تؤثر فيهم ألاعيب شركات الدعاية فإن العلاقة بين الله وبطاقات الائتمان يمكن أن تكون كافية لإثارة استغراب أي شخص يحتمل أن يكون عميلاً للبنك. ولكن بعد التدقيق في الموضوع تبين أن «الجوائز المقدسة» ليست إلا اسماً على غير مسمى لبرنامج الولاء للبنك، والمقصود هو أن العميل سيحصل على خصم جزئي على رسوم البطاقة إذا سدد فواتيره في مواعيدها بانتظام.
المنافسة العادلة واستغلال الدين
بعض البنوك الخليجية أصبحت تدخل في تحالفات مع شركات الطيران بحيث يستطيع العملاء الذين يستخدمون بكثرة بطاقة «مكة الائتمانية» في نهاية المطاف أن يجمعوا في نهاية الأمر ما يكفي من «الأميال» في الرحلات الجوية، تقربهم من زيارة بيت الله الحرام في مكة، إلا أن المفاجأة في الأمر أن العميل لا يستطيع استخدام هذه الخطوات لتأدية فريضة الحج، بحسب ما استنتجه مراسل وكالة «الأسوشيتد برس» الأمريكية.
قد تكون هذه الحملات التسويقية غير ممنوعة من الناحية القانونية، إلا أنها مثيرة للشك والتساؤل من الناحية الأخلاقية؛ فقدسية السفر إلى مكة تحولت إلى أداة في يد بعض البنوك لإقناع المؤمنين بالمشاركة في أنشطتها المصرفية. ويتساءل البعض عمن سيضع الخط حول ما يعد منافسة عادلة وبين استغلالية الدين.
الغرب يتذمر
قد يعتقد البعض أن ظاهرة استغلال المشاعر الدينية شيء جديد على الصرافة الإسلامية، إلا أن التحقيق الذي أجرته «الجزيرة» يكشف أن هذه الظاهرة بدأت في البروز على سطح المصرفية التقليدية مع مطلع التسعينيات. ويبدو أن المصرفية الإسلامية قد استوردت بعض مديري التسويق الذين تشربوا من هذه الظاهرة عند الغرب. يقول إم بي مويلر, مؤسس وكالة للإعلانات تدعى «دوور نومبر ثري», يتساءل الجانب التسويقي من شخصيتي إذا ما كانت الشركات, التي تلجأ للرموز الدينية, تقوم بهذا الفعل لأنها تشاطر هذه القيم أم أنها تتاجر بالقيم الأخلاقية التي تحملها هذه العلامات الدينية؟.. إن العديد من الأعمال التجارية تقوم بوضع نفسها إلى جانب الدين من دون الحصول على تصديق أعلى من جهة ذات ثقة. وجاءت تعليقات مويلر بعد مشاهدته بعض الأنشطة التجارية في أمريكا، ولاسيما تلك التي تستغل الجوانب الدينية للمسحية. وعن الغرض التسويقي الذي ترجوه هذه الشركات عندما يتم استخدام العلامات الدينية مع المنتجات يقول مويلر: «إنهم يقولون بذلك إننا شركة جيدة وصالحة، وبإمكانكم الوثوق بنا». ويختتم مويلر مقاله بقوله: «إن رؤيتي الشخصية هي أن قيم العدالة والثقة والخدمات الجيدة ليست حصرية على الشركات التي تعتمد على الأساسيات الدينية (يقصد عند العمليات التسويقية لمنتجاتها)». تقول صحيفة «إل إيه تايمز»: «يقول رجال الدين إن المعلنين يستميلون مشاعر النصارى من أجل اختيار منتجاتهم على الشركات الأخرى التي تتبع منهجية التسويق التقليدية».