أعلن حسن نصر الله أن طائرة التجسس التي كانت بدون طيار تم إطلاقها من لبنان من قبل حزب الله إلى الأجواء الاسرائيلية في مهمة استطلاعية. أن يتجرأ حسن نصر الله ويصرح بهذا التصريح يعني أن من يحكم لبنان ليس رئيسها ميشال سليمان، ولا رئيس وزرائها نجيب ميقاتي، وإنما (إيران) من خلال عميلها (نصر الله) الذي يُفاخر بعمالته (الطائفية) للولي الفقيه في طهران. وأن كل السلطات الثلاث في لبنان هي سلطات ديكورية؛ أي أنهم بالمختصر المفيد آخر من يعلم. وأن جيشها وقائد الجيش وكل جنرالاته أضعف من أن تحمي أرض وأجواء وطنها كما هو شأن الجيوش الوطنية في كل بلاد العالم.
لماذا سكت رئيس لبنان، وكذلك قائد الجيش واستكان وهو يرى أجواء بلاده تنتهك على مرأى منه؟
في لبنان لا يمكن أن تسمع بتصرفات من هذا النوع، فالجيش ديكور، والبرلمان ديكور، والحكومة ديكور، والديمقراطية هي الأخرى ديكور أيضاً؛ وكل هذه الأقطاب تعلم أنها كائنات ديكورية، فليس ثمة إلا مماحكات سياسية وتراشقات واتهامات بين دكاكين السياسيين، أما من يحكم لبنان فهو (حزب الله) لأنه الحزب الوحيد الذي حماه الأسد الأب وكذلك الابن من تجريده من سلاحه حسب مقتضيات اتفاق الطائف؛ ولأن لديه السلاح، والآخرون ليس لديهم إلا ألسنتهم، فهو إذا جد الجد الأقوى حتى من الجيش وجميع جنرالاته؛ ودعك من كل هذه التصريحات العنترية التي تسمعها بين الحين والآخر سواء ممن يُسمون بالموالاة أو من يقفون في الضفة الأخرى من النهر ويدّعون أنهم المعارضة؛ ففي لبنان هناك قوة واحدة فاعلة تأتمر بأمر طهران اسمها حزب الله والبقية كويكبات صغيرة تدور في فلك الولي الفقيه في طهران و وكيله حسن نصر الله في لبنان.
والسؤال : ما الذي أراده حزب الله من هذه البجاحة وهذا الانتهاك السافر وغير المسبوق لمسؤوليات وكرامة الجيش اللبناني؟ وما هي الرسالة التي أراد ساسة الحزب إرسالها إلى اسرائيل؟
يبدو أن حزب الله ومن وراءه إيران أراد استفزاز إسرائيل لتسخين الأجواء اللبنانية الإسرائيلية في محاولة لخلق بؤرة صراع جديدة في المنطقة لتخفف الضغوط على سوريا، وفي الاتجاه نفسه هروب من قبل حزب الله إلى الأمام لخلط أوراق اللعبة وإدخال الإسرائيليين كطرف في القضية السورية إذا ما قرروا ضرب لبنان انتقاماً من اختراق طائرة الحزب الأجواء الاسرائيلية؛ إلا أن الاسرائيليين لم ينجروا إلى الفخ، واكتفوا بإسقاط الطائرة دون أن يقوموا بأي إجراءات انتقامية أخرى؛ وهذا يعني أن الحزب أحرق إحدى أوراقه المهمة، وأحرج شركاءه وعلى رأسهم رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، دون أن يحقق أهداف ذات وزن في اللعبة السياسية الإقليمية.
والسؤال : هل سيكتفي حزب الله بهذه العملية الاستفزازية التي لم تأت بنتيجة، أم سيكرر العملية وسيعمد إلى استفزاز اسرائيل بطريقة تضطرها إلى الرد وتدخل إلى لهيب حرائق المنطقة؟
الثابت أن حزب الله لا يملك قراره، وأن القرار يصنع في طهران وينفذ في لبنان، وأن إشعال المنطقة سيستفيد منها السوريون والإيرانيون؛ فإشغال اسرائيل بقضايا جانبية سيفيد إيران بإشغال اسرائيل عنها، ومنحها مزيداً من الوقت للوصول إلى الطموح النووي، وفرض الأمر الواقع على العالم، كما سيستفيد منه أيضاً نظام الأسد بتخفيف الضغوط عليه، لذلك فإنني أرجح أن يفتعل حزب الله قضية أخرى تضطر إسرائيل إلى الرد مجبرة؛ خاصة وأن القرار ليس في يد نصر الله ولا حزبه وإنما في يد ملالي طهران.
إلى اللقاء.