اختيار الأمم المتحدة لسفراء النوايا الحسنة، من أهل الفن، هو تأكيد على اللغة الإنسانية التي تشترك فيها الفنون بأنواعها، وقيمة كل نوع على حدة داخل فضاء مفتوح، غاص في أعماقه الفلاسفة برؤاهم وأطروحاتهم ومدارسهم، اختلفوا في جوانب، واتفقوا في جوانب أخرى تجتمع في التأثير والإنسان.. هذه المقدمة أقولها بوحي الرسالة الفنية التي تُجسدها أحداث وقصص لا بد أن لا تمر مرور الكرام، إنما هي رد لكل من يحاول التقليل من القيمة الفنية الإنسانية بهدف نشر البشاعة والظلام بين الناس!
فما قامت به الفنانة الأمريكية “مادونا”، من عمل عظيم عندما جعلت العالم كله يلتفت إلى قضية الطفلة الباكستانية “مالالا يوسوفزاي” التي أطلق عليها النار عناصر من حركة طالبان المعادية للمرأة، لأن هذه الطفلة طالبت بحقها ومثيلاتها بالتعليم. والرسالة الفنية التي بعثت بها مادونا، هي شاهد على تلك الرؤية الأفلاطونية للتأثير الإيجابي للفن، الذي بإمكانه أن ينتصر على كل الخطوط السوداء العابرة في حياة الإنسان، وينتصر على أصحاب القلوب السوداء أعداء المرأة والطفلة، بل وأعداء الإنسانية بشكلها الطبيعي وممارستها السوية. وهذه التصرفات التي تصدر عن حركة طالبان سواء في باكستان أو أفغانسان، أو في غيرها من الدول، هي تصرفات متطرفة إجرامية تحاول أن تكسب شرعية هذه الجرائم بأنها تعمل - شكليا- لأجل الحفاظ على الدين الإسلامي، وهو بريء منهم، ولو كان هذا حقيقياً لما رأينا الإسلام يتمدّد كل يوم في أصقاع الأرض، بل سيخاف منه الناس من أصحاب الديانات الأخرى. وتأكيداً على ما أقول هو ما قام به من علماء ومشايخ تجاوز عددهم الخمسين شخصاً، بإصدار فتوى ضد هذا التصرّف الإرهابي الذي طال طفلة طالبت بحقها، بل وقامت مساجد باكستان تدعو لها بالشفاء وتندد بهذا العمل الإجرامي، فهذه الفتوى التي صدرت عن علماء الدين، وتلك الأدعية التي رفع صوتهم بها خطباء ودعاة مساجد باكستان، هي الوجه الحقيقي للإسلام العظيم، هذا الدين الذي راعى الإنسان أولاً وأخيراً، أما طالبان وفلولها المنتشرة في بقاع ابتليت بها، فما هي إلا الوجه البشع للإنسان الذي لا ينتمي إلا إلى الوحشية، والكره، والعداء لكل شيء عدا للدماء!
رسالة الفن لا يحاربها إلا عشاق الدماء، لأنها تقطع عليهم شهوة الارتواء بالكره والبغضاء، وتقطع تأثيرهم وعملهم الدؤوب في التجنيد الفكري للشباب من الجنسين، ممن يعتنقون هذا الفكر وظهوره أمامنا بصور وأشكال مختلفة، تشترك في رفع لواء العداوة لكل ما هو إنساني.. وقبل الرسالة النبيلة لمادونا، ضربت المبدعة إنجيلينا جولي، أروع مثال على رسالة الفن، وأعطت للعالم كله أبعاد القيم الفنية الإنسانية في مشهد واحد، وهي تقف وسط اللاجئين السوريين في الأردن. إن هذه الرسالة العميقة والتي هي امتداد لرسالة سفيرة النوايا الحسنة التي قدمتها وستقدمها في أعمالها السينمائية، مشهد يجسد العمق الفلسفي للمدارس الفكرية التي اهتمت بالفن وتأثيراته، وهذا بلا شك عصي الفهم على محاكم التفتيش الطالبانية وأتباعها!
www.salmogren.net