|
الدمام - فايز المزروعي:
يشهد الاقتصاد العالمي خلال المرحلة الراهنة ضغوطات عدة على صعيد الاستمرار في تحقيق النمو، والحفاظ على الاستقرار المالي، نتيجة الأسعار المرتفعة وغير المسبوقة للطاقة، إلى جانب أزمة ارتفاع أسعار الغذاء؛ ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع معدلات التضخم في مختلف المجالات.
وأوضح المستشار الاقتصادي سعد آل حصوصة لـ»الجزيرة»: يؤكد تلك الضغوطات ما بينته اللجنة التوجيهية لصندوق النقد الدولي السبت الماضي، الذي تمثل في أن النمو الاقتصادي العالمي تباطأ، والاقتصادات المتقدمة بحاجة إلى تسريع وتيرة الإصلاحات في السياسات المتبعة لإعادة بناء الثقة، إلى جانب الحاجة إلى تحرك حاسم لكسر الدائرة السلبية وإعادة الاقتصاد العالمي إلى مسار لنمو قوي ومستدام ومتوازن.
وبيّن آل حصوصة أن معظم دول العالم تعاني اليوم ارتفاع معدلات التضخم؛ حيث لم يقتصر هذا الارتفاع على الدول النامية فقط، بل وصل إلى الدول الصناعية التي تتسم بنوكها المركزية بالتطور، وجعل التضخم هدفاً نهائياً لسياستها النقدية؛ وبالتالي فإن التضخم ليس ظاهرة محلية أو إقليمية، بل عالمية.
وأكد أن الاقتصاد السعودي يُعتبر من الاقتصادات القوية والمتينة؛ حيث يُعَدّ معدل التضخم في المملكة متوسطاً، مقارنة بمعدل النمو الحقيقي للمملكة، الذي يبقى التحدي الرئيس لصانعي السياسة النقدية والمالية على حد سواء؛ إذ إن الهدف الرئيس للسياسة النقدية لأي بنك مركزي يتمثل في تحقيق الاستقرار النقدي المتضمن استقرار أسعار السلع والخدمات، واستقرار سعر صرف العملة، واستقرار هيكل أسعار الفائدة، بما ينسجم مع متطلبات النشاط الاقتصادي المحلي، والمستجدات الاقتصادية العالمية.
وعلى الصعيد ذاته، كشفت في وقت سابق دراسة اقتصادية متخصصة أن ارتفاع الأسعار المزمن (التضخم) يشكِّل خطراً حقيقياً على الاستقرار والنشاط الاقتصادي في أي دولة، سواء كانت متقدمة أو نامية، إلا أنه في دول الأسواق الناشئة تكون الآثار السلبية للتضخم أكبر وأعمق.
وأوضحت الدراسة، التي أعدها المعهد العربي للتخطيط، أن استقرار الأسعار يجب أن يكون الهدف طويل الأمد للسياسة النقدية، حيث تبيّن منذ نهاية الثمانينيات أن التأثير على التضخم بشكل غير مباشر، من خلال المقاربات التقليدية القائمة على التحكم بالمتغيرات الوسيطة مثل المجاميع النقدية، أو سعر الصرف، لا يساعد كثيراً في تحقيق ذلك الهدف.
وبينت الدراسة أن الآثار السلبية على التضخم تتمثل في انخفاض القوة الشرائية، وزيادة الطلب على النقود السائلة (النقود التي لا يكون عليها عائد)، والاستثمار الزائد على الحد في القطاع المالي لارتفاع العائد، إلى جانب العزوف عن الاستثمار المباشر كنتيجة طبيعية لتذبذبات الأسعار، إضافة إلى تشوه القرارات المتعلقة بالنفقات المستقبلية والقرارات المتعلقة بمستويات الإنتاج المناسبة، والتكلفة الضريبية للتضخم، ونقص الموارد المنتجة في الاقتصاد؛ ما يؤدي إلى تقليل معدل النمو الاقتصادي.
وعن سياسة استهداف التضخم أشارت الدراسة إلى أنه في حال تبني سياسة استهداف معدل التضخم يصبح مدى تغير أو عدم استقرار العلاقة بين الأهداف الوسيطة والهدف النهائي لا يعني شيئاً، حيث إن الهدف النهائي بات محدداً بتخفيض التضخم. مشيرة إلى ازدياد عدد الدول التي منحت السلطات النقدية المتمثلة في البنك المركزي خلال 15 عاماً استقلالية أكبر في التعامل مع استقرار مستويات الأسعار، من خلال سياسة نقدية تستهدف معدلات تضخم منخفضة ومستقرة؛ حيث شمل ذلك عدداً من دول الأسواق الناشئة، كان أبرزها البرازيل، شيلي، بولندا وجنوب إفريقيا.
وأفادت الدراسة بأن دول الأسواق الناشئة تواجه مشاكل خاصة بها، تجعل استخدام سياسة الاستهداف عملية صعبة بالمقارنة مع الدول الصناعية، التي تتلخص في ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع درجة تأثيرات التغيرات في سعر الصرف على الأسعار المحلية.
وأضافت بأن سياسة استهداف معدل التضخم تتطلب التزام السياسة النقدية التام بتحقيق ذلك المعدل دون الالتزام بتحقيق أي هدف آخر, مبينة عدم فاعلية الأدوات غير المباشرة، وعدم استقلالية السلطة النقدية، إلى جانب تداخل أهداف السياسة المالية مع أهداف السياسة النقدية، خاصة في حالات العجز في الموازنة، إضافة إلى وجود نقص كبير في المعلومات اللازمة لعملية استهداف معدل التضخم، ولاسيما فيما يتعلق بالدراسات المستفيضة والنماذج الاقتصادية المعقدة.
يُشار إلى أن أولى تجارب استخدام سياسة استهداف التضخم بدأت في نيوزيلندا عام 1990، ثم كندا عام 1991، ومن ثم بريطانيا عام 1992، وتلتها غالبية الدول الصناعية.