الحضارة الإنسانية هي نتاج تفكير وشجاعة وقيادة وتوجيه ومغامرة عدد قليل من بني الإنسان، والتاريخ البشري يحتفظ بأسماء فاعلة وبقوة سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الفلسفة أو العلم أو الفن أو الرياضة أو حتى الأيديولوجيات والعقائد، والمغامر النمساوي “فيليكس بومغارتنر” واحد من هؤلاء القلة الذي أراد أن يسطر له اسماً في سجل الفاعلين والمؤثرين والمشاركين ببناء حضارة القرن الواحد والعشرين، ولد هذا المغامر في مدينة سالزبورغ النمساوية، وكان يحلم كما تقول سيرته الذاتية منذ طفولته بالقفز الحر من السماء وقيادة الطائرات الهليكوبتر، ونجح في القيام بأول قفزة من هذا النوع وهو في سن الـ16، ثم قام بصقل مهارته في القفز من خلال الانضمام لفريق استعراض القوات الخاصة النمساوية ليتحول إلى قافز حر محترف، ومع مرور الأيام استطاع هذا الشاب أن يزيد من مهاراته لينضم مع مجموعة المحترفين في رياضة القفز من الأماكن الثابتة، ويتمكن فيليكس وهو ما زال شاباً من تسجيل رقم قياسي كأعلى قفزة من مكان ثابت يتم تنفيذها في التاريخ، وذلك من فوق تمثال “السيد المسيح” في “ريو دي جانيرو”، أما ثاني رقم قياسي له فكان أعلى قفزة من مكان ثابت فوق برج “بتروناس” بالعاصمة الماليزية كوالالمبور وبرج “تايبيه 101”. وقد تم وضع اسمه ضمن الأبطال الرياضيين في شارع الأبطال في فيينا، كما تم ترشيحه لجائزة “وورلد سبورتس”، وفاز بجائزة “نيا إكستريم سبورتس”، كما أنه حاصل على رخصة لقيادة بالونات الغاز، وقيادة طائرات الهيلكوبتر في النمسا والولايات المتحدة، إضافة إلى الرخصة الأوروبية التجارية.
والإنجاز الجديد لهذا الرجل هو صعوده عبر بالون إلى طبقة الستراتسفير (ثاني طبقة في الغلاف الجوي) ليقوم بقفزة حرة تهدف لتخطي سرعة سقوطه (سرعة الصوت)، وخلال تلك القفزة تمكن فيليكس كسر 3 أرقام قياسية عالمية: كسر بشري لحاجز الصوت، وأعلى رحلة بالون به بشر، وأطول سقوط حر، وفشل في تحقيق أعلى نقطة ارتفاع لقفز حر ليبقى الرقم القياسي مسجلاً لغيره حتى تاريخه، وقد تمكنت بدلة الضغط الكامل التي ارتداها فيليكس من توفير الحماية له حتى وصوله الأرض سالماً ولذا فهي مفيدة للغاية في أبحاث الأمان الفضائية كما يقول أهل الاختصاص.. نقل هذه القفزة الفريدة والأولى من نوعها في العالم 4 قنوات تلفزيونية فقط حول العالم، من بينها MBC Action التي تنفرد بالنقل في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا. وقد تفاعل معها العقل السعودي مثل غيره وتابعها بشغف الرجال والنساء الصغار والكبار والراصد لردود الفعل يلحظ انقسام حالنا على سبع مدارات هي بإيجاز:
* التبسيط لهذا الإنجاز التاريخي أو التكذيب له رغم مشاهدته تلفزيونياً ورؤيته بالعين المجردة وهو يقفز من الكبسولة!!.
* المقارنة الجائرة بين وصول رسول الله صلى الله عليه وسلم السماء السابعة والعروج به إلى سدرة المنتهى وبين هذا الفعل البشري القاصر!!.
* الاستهزاء بنا والمبالغة في جلد ذواتنا، ففيليكس شاهد في سطوح مدننا بقايا أثاث محطم ودراجات قديمة وفرش ممزقة وتعجب من كل هذا الحطام، ليس هذا فقط بل إنه يقول لم يلفت نظري على وجه الأرض سوى تلك المصابيح التي تؤشر على جبل ما لا أعرفه والمدون فيها “welcom “
* التخويف من دخول هذا الحدث في المناهج، ولذا صيغة أسئلة عدة حول شخص فيليكس وطرح سؤال عن سر تأخير رحلته الفضائية ووضعت خيارات عدة لاحتمالية نزوله على الأرض وما إلى ذلك، كما أن هناك خوف من أن هذه المغامرة الناجحة ستدفع صغارنا محاولة التقليد، والنتيجة الطبيعية في نظرنا الموت المحقق!!.
* التصوير الفوتوغرافي السلبي للشخصية السعودية “رجل يرتدي فانلة وسروال وهو يحاول القفز المجنون، وشاب على سيارة داتسون ويدور حول الكرة الأرضية وثالث ممسك بشبكة ينتظر سقوط فيليكس عليها أو...
* التقليل من أهمية الحدث علمياً وتكرار سؤال، ولماذا يقوم بهذه المغامرة التي لن تضيف لنا شيئاً؟
* عدم الاكتراث.. وكأن ما يحدث من إنجازات بشرية نحن في معزل عن متابعتها والتفاعل معها فضلاً عن المشاركة والمبادرة من أجل إنسانية أفضل.
* ومن آخر ما غرد به صباح كتابة هذا المقال ما نصه (أشياء تعلمناها من قفزة فيليكس الحرة:
1 - أن النجاح صناعتهم، والنكتة صناعتنا.
2 - أن الغرب وصلوا الفضاء خلال ساعتين ونحن نصل إلى أعمالنا كل يوم خلال ساعتين أيضا!!
3 - أن الجنون سر الإبداع.
4 - أنه حتماً هناك من سخر منه لذا “لا تسخر من أحلام الناس لغرابتها ولا تتنازل عن أحلامك مهما كان فلا طعم للحياة دون أحلام”.
5 - أن جوزيف صاحب الرقم القياسي يساعد فيليكس على تحطيم رقمه، لنتعلم من هذا “التنافس الشريف دون حقد أو حسد وكره لنجاح الآخرين”.
دمتم بخير وبارك الله لنا في عشرنا وإلى لقاء والسلام.