قد يغيب عن المستعمل الفرق بين اللفظين كما تغيب الصلة بين الواحد وجمعة؛ ومثل هذا يؤدي إلى خطأ في الاستعمال، إذ يتلفظ المتكلم بخلاف ما يريد، وليس يشفع له أن مخاطبه يدرك ما يريد، واللحن رافق الاستعمال منذ القدم؛ فقد قال الرسول (أرشدوا أخاكم فإنه قد ظلّ)، واللغوي حين ينبّه إلى الخطأ واللحن فإنما يهتدي بذلك الهدي، ويرى النصيحة واجبة، وهو لا يسعى إلى إعانات الناس ولا التضييق عليهم، ولا هو بالواقف أمام تغيّر اللغة، واللحن قد يفسد المعنى، وهو أمر لا يرضى به أحد من المتشدّدين أو المتسامحين.
قد نسمعهم يجمعون (وفاة) جمع سلامة على (وفِيّات) بكسر الفاء وتشديد الياء، وقد يكتبونه بكسر الفاء كما يظهر على غلاف كتاب (وفيات الأعيان) لابن خلكان حيث خُطّت بكسر الفاء (وَفِيَات)، ولكنها كتبت صحيحة على كتاب الصفدي (الوافي بالوفَيَات)، وهذا اللفظ المشدّد الياء ليس بجمع لوفاة؛ بل هو جمع للصفة المشبهة على بناء (فَعِيل) وفيّة مؤنث وفِيّ من الفعل (وفى -يفي- وفاء)؛ فجمع (وفيّة) وفِيّات، وجمع (وفِيّ) وفِيّون، ويكَسّر على (أوفياء)، ولست أرى علّة لتشديدهم الياء من (وفيات) جمع (وفاة) على الرغم من ميلهم إلى التخفف من التشديد في الأسماء المنسوبة فتسمعهم يقولون (ابن تيمِيَة) في (ابن تيمِيّة) ويقولون (أُمسِيَة) في (أُمسِيَّة).
وأما (وفاة) فاسم مصدر على بناء (فَعَلَة) من الفعل (توفّى)؛ و(وفاة) قبل الاعتلال (وَفَيَة). يذهب الصرفيون إلى أنّ ياءه أعلّت إلى الألف لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأما المحدثون من الذين يفسّرون تغيّره تفسيرًا صوتيًّا فيذهبون إلى أن الياء حذفت، ولكنّهم يختلفون في منشأ الألف؛ فمنهم مثل داود عبده من يرى أنها نتيجة تضامّ الفتحتين السابقة الياء واللاحقتها، وأما غيره فيرى المقطع اليائي حذف برمته؛ أي إن الياء وفتحتها حذفتا، وأما الألف فجاءت من مطل الفتحة التي كانت قبل الياء.
ومن الأمور المتصلة بهذا الفعل (توفّي)، والمشهور المتداول على ألسنة الناس اليوم استعماله مبنيًّا للفاعل، يقولون (تَوَفَّى فلانٌ رحمه الله) بفتح تاء المضارعة وعين الفعل، وهو استعمال صحيح؛ لأن معناه استوفى أيّامه، جاء في معجم (لسان العرب) «تَوَفِّي الميتِ اسْتِيفاءُ مُدَّتِه التي وُفِيتْ له وعَدَد أَيامِه وشُهوره وأَعْوامه في الدنيا». ولذلك صحح هذا الاستعمال أحمد مختار عمر رحمه الله في كتابه (العربية الصحيحة)، ويبقى أن استعمال الفعل (تُوفِّي) بالبناء للمفعول هو الاستعمال العربي القديم المطّرد فهو أولى وأجدر، يقال (تُوُفِّيَ فلانٌ رحمه الله)؛ لأنّا نقول (تَوَفّاه الله)؛ كناية عن استكمال أيّامه وإتمامها، جاء في معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس «وتوفَّيْتُ الشَّيءَ واستَوْفَيْته؛ إذا أخذتَه كُلّه حتَّى لم تتركْ منه شيئًا. ومنه يقال للميِّت: تَوفَّاه الله». فقُل (تُوُفِّي فلانٌ) وإن شئت فقل (تَوَفّى فلانٌ)، وإن جمعت (الوفاة) فاجمعها على (الوَفَيات) بفتح الفاء وبياء غير مشدّدة.