|
«لقد شاء المستبد إخفاء الاختلاف وتحجيب المرأة لسبب بسيط: بما أن المساواة هي القيمة المقدسة في جوهر الإسلام، فإن التعددية تفرض نفسها إذا ما بدت المرأة في المجال العام بدون حجاب. إن أية مصادرة استبدادية للسلطة لا يمكن أن تحصل دون فرض الحجاب على النساء، وتحقيق وهم انعدام الاختلاف داخل الأمة، وهو وهم يشكل المركتز الأساسي للاستبداد». ليست هذه الأسطر من الكتاب سوى تعليق الكاتبة المغاربية الكبيرة وعالمة الاجتماع فاطمة المرنيسي على رواية تاريخية عن الحاكم المصري الذي شهدت خلافته الإسلامية مطاردة النساء حد القتل إذا خرجن إلى الشارع، ما دعاه إلى أمر الباعة الرجال بالمرور على البيوت وتسليم البضائع من خلال مايشبه المغرفة بساعد طويل يمده للمرأة وهي من وراء الباب.
هذا التعليق الذي يبدو كمسلمة في العلوم الاجتماعية يضع القارئ في الزاوية التي تمكن له فهم كتاب «شهرزاد ترحل إلى الغرب « الذي يعاد طبعه للمرة الثالثة عن المركز الثقافي العربي، إنه ليس بحث وتحليل من عالمة اجتماع للفروق بين «حريم»الشرق والغرب فقط، بل سفرٌ في التباسات النفس البشرية للكاتبة التي بصمت طفولتها بلفظة حريم، وأخذها إبداعها إلى التنقل بين الدول الأوربية للحديث عن كتابها المعروف»نساء على أجنحة الحلم» الذي ترجم إلى 28 لغة، هذا التنقل الذي وضعها في مواجهة أولى الفروقات بين «حريم» الشرق والغرب، حيث اصتدمت الكاتبة بتلك الابتسامة والحرج الذي يعلو وجه كل صحفي يبادرها بالسؤال (هل حقاً ولدت في حريم !!) ؟
ولد الكتاب من تساؤلات الباحثة عن كيف يمكن لعالم «حريم» الذي يدفن النساء أحياءً كما وصفته لها جدتها الياسمين، كيف له أن يثير ابتسامات الغربيين وتلك النظرة الغريبة التي يوجهونها لها، ما دفعها للبحث في تاريخ هذه اللفظة وعالمها لدى الأوربيين والغربيين عموما، ترمز الكاتبة في بحثها عن عن هذا العالم للأنثى بشهرزاد بطلة حكايا ألف ليلة وليلة، فتتبع خطواتها في العالم الغربي من لوحة فنية معلقة في متحف، إلى الملابس النسائية الضيقة التي تشترط حجم ونحافة عارضات الأزياء، تمتد قراءة فاطمة لرحلة شهرزاد في 13 فصلا محفوفة بتساؤلات التحليل النفسي والاجتماعي للذات والآخر «لقد نزعت كل صفة إنسانية عن هؤلاء الأجانب الذين كانوا يوجهون إلي نظرة لا أفهمها، وذلك هو السبب الذي كان يجعلهم قادرين على زعزعتي بتلك السهولة، لم يحمني إرثي الصوفي بالنهاية من أبرز أشكال الهمجية: أي عدم احترام الأجنبي،عمني الاضطراب حين انتبهت إلى ذلك، ولذلك فإن هذا الكتاب بنقط قوته وضعفه قد شكل نوعا من العلاج النفسي بالنسبة إلي».
تقارن الكاتبة بين سلاحي شهرزاد الشرقية والغربية من خلال دراسة الحكايات التي تكشف أن الحكايا مثل ألف ليلة وليلة تظهر وتصر على الجانب المتمرد لدى نساء الحريم مثل شهرزاد، ماكان سبباَ في حكم النخب الذكورية العربية عدم كتابة الحكايات والاكتفاء بنقلها شفوياَ، تقدم الدكتورة فاطمة للقارئ العربي هذا الخيط الرفيع والثابت بين النقد الأدبي الذي يحلل شخصية شهرزاد المرأة وشهريار الرجل، وبين الواقع السياسي على مدى التاريخ الذي يمارس عنفه على الإنسان العربي من خلال العنف الذكوري الموجه للمرأة «هناك ارتباط بين الكرامة الإنسانية وتحرير المرأة، وذلك هو السبب الذي يجعل كل اشتغال فكري على الحداثة كخلاص من العنف والاستبداد في العالم المسلم، يكتسي أيضا شكل دفاع عن حقوق النساء»
تضيف المرنيسي «ستلاحظون بأن النقاش بشأن الديموقراطية يؤدي بالضرورة إلى نقاش حول حقوق النساء والعكس صحيح» وتبرهن على قراءتها للواقع السياسي العربي من خلال تصوير الواقع التركي إبان حكم الزعيم كمال أتاتورك باعتبارها أحد المراحل المهمة في تراجع الاستبداد السياسي وانبثاق تحرر المرأة التركية، حيث كانت حركة الشباب الأتراك بقيادة أتاتورك تناضل ضد ثلاثة مبادئ تعتبرها حواجز ضد التقدم وهي الاستبداد والتمييز بين الجنسين والاستعمار، متهمة الخليفة العثماني المستبد بأنه أغرق الإسلام في الظلامية التي سببت الغزو الأوربي.
تسجل عالمة الاجتماع المفارقة الأهم بين «حريم» الشرقي والغربي، فالصورة الجمالية مشروطة الملامح تعد السلاح الأساسي الذي يستعمله الرجال الغربيين للتحكم في النساء ولهذا يهزم الزمن المرأة، بينما السلاح الشرقي فهو المكان المسقوف والمحجوب للمرأة وتغييبها تماما من كل الفضاء العام «إن استعمال الزمن هو الذي يضمن للرجل تفوقه في الحريم الغربي، في حين يستغل الرجال في الشرق، المكان للتحكم في النساء».
تعرج الكاتبة على أن الخلافة الإسلامية متنوعة الثقافات شهدت اختلافا في الهيمنة ظهر بشكل حاد لدى العرب الذين يحجبون نسائهم ويسجنونهن ويتصرفون بطريقة تجعل التاريخ لا يحتفظ بأي شاهد على سلطة المرأة، وتختم كتابها بالفصل الثالث عشر بأخر الأسلحة الذكورية في الهيمنة على المرأة «إن التركيز الثقافي على النحافة النسوية ليس تعبيراَ عن هوس بالجمال النسوي بل تعبير عن الهوس بالخضوع النسوي».
lamia.swm.@gmail.com