منذ أن تمسك يداه ولأول مرة بمقود السيارة وابتسامة تعلو محياه، وقدماه بالكاد تصلان إلى دواسة البنزين وهو يتعلم، ولكن ماذا يتعلم؟! لقد تعلّم ممن حوله، أنّ السيارة ليست وسيلة مواصلات فقط ولكن يمكن أن تكون لعبة، ويمكن أن تكون وسيلة ترفيهية في مدينة ملاهٍ كبيرة
اسمها يختلف من منطقة أخرى، وأنّ الشوارع ملك يمينه يفعل فيها ما يشاء! وأنّ القيادة تعني التغلُّب على الآخرين في معركة يفوز بها الأشجع والأقوى! وعندما يكبر سيجد الكثير من الوقت ليمارس التفحيط خارج نطاق سيطرة المرور و(دورياته)!
ولكي يحقق هذا الشباب ذاته ويؤمن إشباعاً ربما لانحراف بدا للتو تشتعل شمعته في دواخل نفسه، يقرر أن يصعد سلّم التفحيط ليصل إلى القمة ليراه من حوله نجماً في سماء التفحيط، وهذا ما يبحث عنه كل مفحط إنه يبحث عن الإشباع لهذا الفراغ داخل روحه! في حارته ثم الشارع الكبير ثم ساحة التفحيط ليرافق عدداً من نجوم تلتهب لهم الأيادي وترمى لهم الشمغ! هذا سحر الموقف الذي لا يقاوم ومع التكرار يتم الإدمان عليه، لتسري في جسده نشوة لا تقاوم تدفع بـ(الادرينالين) إلى أعلى مستوياته!
أُسر لا تعاقب ولا تعاتب ولا تتابع أبناءها ولا تسأل أين كانوا ولا عن دراستهم ولا عن أصدقائهم، هي السبب الأول لميلاد مفحط، بل ولكل منحرف سيعود شره بعد ذلك على أُسرته سمعة سيئة وربما أكبر من ذلك، بعض الأُسر والآباء عاجزون عن رد الأبناء المنحرفين إلى حظيرة الأسرة، فيكتمون الغيظ لأنّ ليس هناك مؤسسات تساعدهم في مواجهة مشكلاتهم الأُسرية! وأسر كسرت زجاجة سمعتها بسبب أفعال ابنها فسلّمت أمرها لله، وفتحت بابها لتلقي مصائب ابنها، وربما أضاف لها مواعيد زيارته في السجن أو التوقيف، وربما للصلاة عليه وتقبُّل العزاء بعد مشهد تفحيط انتحاري لا يوجد إلاّ عندنا، حيث يتنادى الشباب لمشاهدة الموت المجاني وعلى الهواء مباشرة.
و السبب الثاني في انتشار ظاهرة التفحيط، هو المرور الذي حتى الآن لم يستطع إنجاز الكثير من الاستحقاقات عليه ! ولم يستطع حتى الآن أن يواكب ما يتوقعه المجتمع منه ! ظاهرة التفحيط ليست جديدة ومع ذلك فهي تزداد انتشاراً وضحايا فماذا يعني ذلك ؟! إنه يعني فشل المرور في أن يوجد الحلول ! ربما لا يملك كامل مكوّنات الحل ولكن مفاتيح الحلول في يديه وصافرة انطلاقها في جيبه! ولكنه حتى الآن يكتفي بحضور دورياته بعد حادث تفحيط أليم ليقوم بتخطيط موقع الحادثة وتسجيل تقرير عنها يرمى في أعلى (دلاوب) الحوادث المكتنز !
كل مفحط مشهور أو مغمور، من الذي ترك له حبله على غاربه ليتمادى في تفحيطه وربما أضاف مع التفحيط أموراً أخرى! ومن الذي أتاح له الفرصة ليلعب في الفراغ ؟! ولو وجد مراقبة لصيقة (مان تومان) لما استطاع أن يسجل أهدافه في مرمى عقول وأفئدة الكثير من الشباب، قبل أن يقبل على ساحتهم ذات يوم فيفلت منه مقود السيارة ليفقد حياته ويتسبب في وفاة بعض ممن كانوا يصفقون له!
كان عنوان أحد الأفلام الشهيرة ملفتاً ويعزو الأسباب إلى المجتمع وليس إلى المجرم، وهذا ما يقول به بعض علماء الاجتماع، كان عنوان الفيلم جعلوني مجرماً!! ولو استطعنا قراءة ما في عينيْ أي مفحِّط وهو يودع حياته، فسنقرأ لوماً في عينيه، وربما سمعنا لسان حاله يقول (جعلوني مفحطاً) ولكننا لن نبالي ! لأننا لن نعترف أبداً بأخطائنا أُسراً ومؤسسات!
alhoshanei@hotmail.com