فهم معاني الشعائر أدعى لأدائها بروحانية وإيمان أعمق، وإن كان مجرد أدائها تعبد لأنه طاعة للتوجيهات الربانية وسنة النبي الكريم عيه الصلاة والسلام. لكن العلم بخلفيات الشعائر وبالأخص شعائر الحج العظيمة يوضح عظمة الدين الإسلامي بل وأوجه حضارته...
...وأنه يربط أمة محمد بالأمم السابقة منذ آدم مرورا بإبراهيم الخليل وموسى وعيسى حتى النبي العربي عليه السلام، وتأكيدا على وحدة رسالاتهم.
يتمثل هذا الربط بأننا نؤدي شعائر لها ارتباط بالخليل عليه السلام، خصوصا الحج، وزوجته هاجر وإسماعيل، حتى عهد وسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما أردت الحديث عن الحج تحديدا لأننا نعيش موسمه العظيم.
أول المناسك الطواف كما نعلم وهذه الصلاة - كما أخبر الرسول الكريم إلا أنه يجوز فيها الكلام والالتفات -، عندما تتفكر في طبيعتها، هذا الدوران حول الكعبة بنفس اتجاه ودوران الكواكب حول الشمس، وبنفس دوران الالكترونات حول نواة الذرة، عكس اتجاه عقارب الساعة، هذا التماثل له دلالته ولا ننسى أنه ما من شيء إلا يسبح بحمده ولعل دوران الكواكب بهذا النظام الدقيق الدال على المبدع والالكترونات هو تسبيح بطريقتها الخاصة.
أما السعي ففيه من المعاني والجماليات ما يبين أن الدين ليس مجرد أوامر ونواهي كما ينظر له الكثيرون، وإنما فيه أيضا نواحي تاريخية وحضارية وجمالية، وفيه جوانب صحية ونفسية عديدة.
أما الحضارية فربط أمة محمد كما ذكرت بأمة إبراهيم الخليل وبتبجيل آله وزوجته هاجر تحديدا، بتقليد ما فعلته وهو مشيها وهرولتها بين الصفا والمروة واعتلاء قمتيهما في كل شوط، لأنها كانت تتشوف لقدوم أحد يغيث وليدها بالماء، فكان أن شرع الإسلام هذا السعي الحثيث إحياء لهذه القصة العظيمة في نفوس المسلمين إلى يوم الدين.أما الجوانب الصحية والنفسية فلا تخفى على عاقل، فالسعي بما فيه من سير وهرولة خفيفة له من الفوائد الصحية والنفسية الشيء الكبير.
ثم شرب ماء زمزم بعد ذلك، وما لهذا الماء من خواص وتركيب عجيب وفوق هذا من بركة ربانية مهما حاول أنصاف المتكلمين التشكيك فيها وفي زمزم بشكل عام فلن ينقص من ما لهذا الماء من خاصية ومكانة.
فبعد الطواف والسعي يروي المعتمر والحاج عطشه بهذا الماء المتدفق منذ آلاف السنين، والذي نبع من تحت قدمي الرضيع إسماعيل عليه السلام بعد أن ضرب جبريل الأرض بطرف جناحه. فهل هذا البئر المعين منذ عهد إبراهيم وماؤه مجرد ماء عادي أو غير صالح للشرب كما حاول بعض الإنجليز إيهام البعض بذلك !.
ثم شعيرة الهدي والنحر، وما فيها من إحياء دائم وتذكير بفداء الابن البار إسماعيل وقصته معروفة لكل مسلم بل لكل يهودي ومسيحي من قبل.
هو هدي لله تعالى وتعبد وطاعة، أتى ضمن هذه القصة الخالدة، وفيه تكريم للخليل وابنه عليهما السلام ولتضحيتهما لله عز وجل وعظم ابتلائهما، كما فيه من العبر والدروس كالصبر على البلاء والطاعة لله والرضا بقدره وأن الفرج مع الصبر.
وكما ذكرت في مناسك الحج تحديدا ربط روحي للمسلمين بربهم أولا، ثم بأنبياء الله وآلهم، بتتبع خطاهم في المشاعر، في منى وعرفات والجمرات.
وقصة رمي الجمرات والتي سميت كذلك لأنها جمر على الشيطان وليست مجرد حصوات، فيها تخليد لرجم إبراهيم عليه السلام إبليس حين ظهر له محاولا وسوسته لثنيه عن تنفيذ أمر ربه بذبح ابنه إسماعيل وذلك قبل أن يفتديه الله بذبح عظيم.
والجمرات الثلاث بأماكنها هي نفس المسار الذي اتخذه إبراهيم عليه السلام ورجمه لإبليس ثلاث مرات في ثلاثة أماكن مختلفة، وهي نفسها التي نرجم اليوم بها الشيطان طاعة لله وتعبدا، ثم إحياء لهذه الحادثة التاريخية العظيمة.
فهم هذه الخلفيات والإحاطة بها تضفي روحانية أعمق على المناسك وتجعل المسلم يستحضر صورا ومشاهد مهيبة لأعظم البشر عليهم السلام، هذه مجرد إشارات سريعة فموضوع كهذا لن يوفيه مقال صغير، حج مبرور وكل عام وأنتم بخير.
omar800@hotmail.com