حكمة صينية تدعو الإنسان، وهو يؤدي عمله، إلى أن يعمل يومياً على «إنقاص» المعرفة. أي التخفيف من الاتكاء على تراكم التجارب، التي تثقل على الذهن تبلّدا. مقولة عربية مشهورة تُنادي على الإنسان أن ينسى ما تعلّم ليبدأ التعلّم من جديد: بدأتُ أتعلم يوم نسيتُ كل ما تعلمت.
جلاء الذهن في أداء العمل، لا يُمكن أن يتحقق ما لم يولَ الانتباه كله للحاضر.
من هنا يكون العمل من أجل تطهير الذهن، لا من أجل بلوغ مطمع.
من مشكلاتنا الحقيقية أننا نظن أن انعدام الدافع يعني غياب العمل. نحسب أن العمل لا يتم إلاّ بوجود باعث على القيام به، لبلوغ غاية. مع أن في بلوغ الغاية النهائية يكمن موت. عندما تبث زهرة أريجها، فإن ذلك ليس عملاً، بالمعنى العادي للكلمة، لأن هذه العملية محض تعبير عن ماهية الزهرة. إنه عمل من نسق مختلف، يُجمّل حياة العابرين.
وبالمثل، فإن ذهناً متحرراً من كل مطمع أو غرض، بل يُولي انتباهه كله، وهو يعمل، للحاضر، من طبيعته أن يُطلق في الفضاء المحيط به أريجه لا أنيّته.
ليس للإنسان المُستنير من دافع في المعنى العادي لمصطلح العمل، قد يُعلّم، أو لا يُعلّم، قد يتكلم، أو يلوذ بالصمت: كيانه بالذات هو عمل، وذلك العمل بركة تطال كل شيء حيّ. إنه كالشمس تُشرق بنورها وحرارتها، والكل يحيا بها وينمو. إنه يفعل ذلك بمجرد أن يكون نفسه.
هنالك، إذن، عمل عندما يتحرّر الذهن من الرغبة في الأغراض والأطماع. لكنه عمل مختلف تماماً عمَّا عهدناه. عمل ليس مختلفاً عن الكينونة. وتلك الكينونة كينونة عاقلة. عندما تنعدم المطامع والغايات، يسود العقل الأرفع وجلاء الفكر ساحة الوعي. وفي هذا المعنى تصير الكينونة هي العقل، وكل عمل يتم يكون عملاً عاقلاً. العمل هو تجلٍّ للداخل. فحيثما يكون الفكر طاهراً، ويكون الكلام صادقاً، لا بد من أن يكون العمل نبيلاً. إنه عمل بلا نهاية.
Zuhdi.alfateh@gmail.com