|
الجزيرة - محمد السهلي:
لقد مرت صناعة المال الإسلامية بمواقف محبطة وصدمات عديدة بين كبار اللاعبين بها. ولكن قبل أن تتفاخر الصناعة بتفوقها على النظام المالي الربوي, دعونا نرجع للماضي لكي نتأكد,بخلاف النظام الرأسمالي, ألا نكرر أخطاء الماضي.
لقد تصاعدت قوة الصناعة الإسلامية بشكل متزايد في الآونة الأخيرة. حيث تعافت من انهيار صناعة العقار الخليجية في 2008 وتحملت عاصفة الأزمة المالية العالمية فضلا عن ثباتها الجاري أمام المصاعب المالية التي تمر بها منطقة اليورو. ولحسن الحظ فلقد لعبت المتاعب التي تمر بها القارة الأوربية لصالحنا بعد أن هرول المستمرين الأوربيين من لهيب أزمة قارتهم الى منطقة الشرق الأوسط وذلك عبر شراء الأوراق المالية الإسلامية.
ولا تزال الصناعة تعاني من مصاعب عديدة مثل الأنظمة الغير متوافقة وإدارة المخاطر الضعيفة وإدارة السيولة وعقبة توحيد المعايير. فهذه الأمور ليست مجرد مخاوف «تجميله». فعلى مدى السنوات الماضية شاهدنا إنهيارات عظيمة من قبل مؤسسات مرموقة بصناعتنا وذلك بسبب عدم إعطاء هذه القضايا الاهتمام التي تستحقه.
العزة قبل السقوط
من المحزن القول أن معظم الفضائح التي ضربت صناعتنا كانت مرتبطة بعمليات الاحتيال. ففي عام 2009 أصدرت السلطات التنظيمية بالهند قرارا بإيقاف أنشطة شركة السمسرة الإسلامية (بارسولي) وذلك بعد خداعها كبار المساهمين والسيطرة على أسهمهم. منطقة الخليج وصرافتها الإسلامية لم تخلُ من قصص وفضائح الاختلاس. فلقد عثر تحقيق أجرته شركة ديلويت في 2010 أن مديرا تنفيذيا ذائع الصيت (تحتفظ الجزيرة باسمه) قد ارتكب أثناء عمله بأحد البنوك الإسلامية بالبحرين 58 مخالفة جنائية تشمل على إساءة استخدام أموال البنك وكذلك التخلص من 8000 وثيقة مصرفية. وفي 2012 أصدرت محكمة بحرينية حكما قضائيا بسجنه 4 سنوات إلا أن المدير التنفيذي السابق قد غادر البلاد ولايزال ملاحق أمنيا. وبالانتقال الى الإمارات, ننتقل إلى قضية إختلاس أموال أخرى تمت في 2011. فقد أصدرت المحكمة هناك حكما قضائيا بالسجن على 6 مصرفيين كانوا يعملون لدى بنك دبي الإسلامي بعد أن اختلسوا 490 مليون دولار.
سبائك الذهب الكندية
في أواخر 2011 دخلت شركة متخصصة بتقديم الرهن العقاري الإسلامي «يو ام كابيتال» مرحلة الحماية من الدائنين بعد أن تم مقاضاتها بمبلغ 30 مليون دولار من قبل»سينترال ون». إلا أن هناك جانبا مظلما لهذه القصة. فلقد كشف التحقيق الذي أجرته شركة «جرانت تورنتون» عن فقدان 2.2 مليون دولار كندي تم دفعها لفقهاء محليين. بعدها تناقلت وسائل الإعلام هناك عن قيام المدير التنفيذي لـ»يو ام كابيتال» بدفع هذا المبلغ على شكل سبائك من الذهب و الفضة وذلك لجوزيف آدم,وهو المدير المالي للشركة التي يعمل لديها الفقهاء و التي تعني بتقديم الاستشارات الشرعية. طابع الإثاره في هذا التحقيق يأتي في أن تسليم سبائك الذهب تم في ليلة ظلماء في أحد مواقف السيارات. ولقد تمكن المحققون الكنديون من العثور على سبائك الفضة بينما لا تزال التحقيقات جارية حول مصير سبائك الذهب. وإذا كانت معظم هذه الفضائح قد جاءت عن طريق الجشع أو عدم الفطنة فإن هناك العديد من هذه المواقف المحزنة التي نبعت عن طريق التوقيت السيئ أو سوء الإدارة. وساهمت تلك العوامل إلى حدوث كوارث ضخمة لهذه المؤسسات.
فقبل تقريبا 8 سنوات أعلن بنك «إسلام» الماليزي عن خسائر ضخمة من جراء التعثر في سداد قروض تقدر ب 708 مليون دولار. ونسب البنك هذه الخسائر الى كبار موظفيه الذين أعطو وبكرم زائد عن الحد قروض لعملاء في سراييفو و جنوب إفريقيا من دون أن يمحصوا السجل الائتماني لهؤلاء العملاء.
سلة البيض الواحدة
ولن يكتمل تحقيقنا من دون مناقشة كبرى الانهيارات القادمة من فقاعة العقار الخليجية. وبالرغم من تحذيرات كبار اللاعبين في الصناعة بعدم وضع البيض في سلة واحدة وهي العقار, فإن هناك بنوكا دفعت ثمن إستراتيجية عدم تنويع الإستثمارات, بحسب صحيفة «آي إف إن». ويعد «بيت التمويل الخليجي» أحد أشهر ضحايا تلك الأزمة. فلقد حقق هذا البنك في 2009 خسائر بلغت 728 مليون دولار من جراء إنكشافه على قطاع واحد.
بعض المؤسسات ينطبق عليهم المثل الإنجليزي» لا تحاول أن تركض قبل أن تستطيع أن تمشي». في إشارة إلى أولئك الذين يحاولون الدخول لسوق جديدة قبل أن يكونوا مستعدين لها. في 2008 أعلنت شركة «سلام تكافل» البريطانية عن عزمها جمع 80 مليون جنيه أسترليني إلا أنها تمكنت من جمع 60 مليون. وبعد انطلاقتها بسنه ونصف, أعلنت الشركة إفلاسها بسبب تآكل رأسمالها.
فشل أمريكي
البنك الأمريكي الشهير «جولدمان ساكس» واجه هو الآخر متاعب من نوع آخر عندما حاول دخول صناعة الصكوك الإسلامية. فما أن أعلن البنك عن خططه لإصدار صكوك الـ2 مليار دولار في السنة الماضية, حتى نشر شاب سعودي مذكره بحثية يكشف فيها وجود ثلاث فجوات شرعية تجعل هذه الصكوك مخالفة للشريعة. وبعد ذلك خرجت تفاصيل أخرى تكشف كيف أن البنك زعم أنه حصل على موافقة ثلاثة فقهاء عالميين من بينهم اثنان من السعودية. وفي حين كانت أسباب الفشل الماضية مرتبطة بسوء الإدارة واختلاس المصرفيين فإن بعض الأحيان يكون السبب هو انكشاف المؤسسة على الأزمة المالية العالمية. ففي أوائل هذه السنة طلب بنك أركبيتا حمايته من الدائنين بعد أن لجأ لقانون الحماية من الإفلاس.
التعلم من الأخطاء
وكما يقولون إن تعطي الاحترام لمن يستحقه فإن هناك العديد من المؤسسات في صناعتنا التي تعثرت ولكنها أعادت هيكلة أنشطتها وعادت أقوى من السابق. فبيت التمويل الكويتي بماليزيا تعرض لخسائر بلغت 192 مليون دولار في 2011 وذلك من جراء القروض التي تم تقديمها لعملاء ذو مخاطر عالية. ونتج عن ذلك تسريح مصرفيين كبار عقب إجراء تحقيق داخلي حول القروض التي قدموها لهؤلاء العملاء. بعدها تولت جميلة جمال الدين منصب المدير التنفيذي وقدمت برنامج لإعادة هيكلة البنك يستمر لخمس سنوات والذي نتج عنه تسجيل أول أرباح في الربع الأول من هذه السنة بلغت 7.4 مليون دولار.
فبعد أن تسلمت جميلة «الرئاسة المصرفية» للوحدة الماليزية لمصرف بيت التمويل الكويتي، كان أول قرار لها هو التعاقد مع شركة محاسبة عالمية من أجل التدقيق في تعاملات البنك الخاصة بالقروض التي تم تقديمها للشركات، التي جرت البنك إلى تحقيق الخسائر بعد أن تعثرت تلك الشركات في السداد.
وعرف عن بيت التمويل الكويتي شغفه العنيف ,عند بداية أنشطته بماليزيا, بعمليات التوسع المتعلقة بأنموذج الصيرفة الاستثمارية وذلك عبر تقديم القروض للشركات ذات الخطورة العالية. حيث تمنى المراقبون لو أن عملية التوسعة الخاصة بما يعرف بـ «مصرفية تمويل الشركات» كانت متواكبة مع توسعة مصرفية «التجزئة»، وذلك من أجل تخفيف ضغط السيولة، حيث تعتمد مصرفية التجزئة على ودائع العملاء لتمويل محفظة قروضها.
ولذلك تتركز المنهجية الجديدة للبنك على توسيع عمله في قطاع التجزئة, بالإضافة للتوسع الجغرافي في عدد من أسواق المنطقة. حيث أشارت تقارير إعلامية أنه بحلول 2015 سيأتي نحو 20 % من دخل البنك من التوسع الإقليمي, حيث يخطط البنك لدخول إندونيسيا والصين.
وعرف عن الإدارة السابقة للبنك الكويتي شغفها نحو أنموذج التمويل الديناميكي والمدفوع بالمشاريع، الذي يسير عليه بقوة منذ تأسيسه، حيث كان بنك التمويل الكويتي يرغب في تأسيس نموذج جديد للتمويل الإسلامي، ولذلك أقدم البنك على مخاطر عالية لتحقيق هذا النموذج، الأمر الذي أثر في ربحيته. ومن المنتظر أن يمنح أهل الكويت المصرفية الماليزية المحنكة فترة طويلة لترجمة عملياتها الإصلاحية التي قد تعيد البنك إلى دائرة الربحية من جديد.