إنه سؤال لطالما ناقشه الناس على مر الزمان واختلاف المكان، ولا يزال إلى اليوم وهو يُناقَش ويجادل في كل مكان، لكن أنصح القارئ الكريم أن لا يسأل أمريكياً هذا السؤال!.. لماذا هذه النصيحة؟.. المادية في أمريكا وباء قديم بدأ منذ أن وطئ الأوروبيون تلك الأرض، ولا تزداد المادية إلا تأصّلاً وانتشاراً في الأمريكان الباحثين عن «الحلم الأمريكي» وهو أن يكون الشخص مغرقاً في الثراء والملذات، ووصلوا في هذا لأشياء عجيبة، منها استبيان قال فيه واحد من 14 أمريكياً إنهم مستعدون أن يقتلوا إنساناً مقابل 3 ملايين دولار!.. والبعض قال إنه لا يمانع أن يعيش سنة كاملة على جزيرة مهجورة مقابل مليون دولار.. استبيان آخر أُجري على 250 ألف من طلبة الجامعات وجد أن غالبيتهم قالوا إنهم لا يدرسون الجامعة إلا رغبة في تحصيل المال لاحقاً، بينما كانت النسبة قليلة سابقاً، فنفس السؤال وجَّهه الباحثون للطلاب في السبعينات الميلادية وأفاد أكثرهم أنه ليس المال أكبر أهدافهم وإنما مقصدهم الأول إضافة معنى لحياتهم.
الحكماء دائماً يقولون إن المال لا يجلب السعادة، وهذه يستنكرها بعض الناس لما يسمعونها، فأي شخص يهبط عليه مبلغ من المال من السماء سيقفز فرحاً، هذا لا شك فيه، ولكن ليس هذا دليلاً على خطأ تلك المقولة، والفرق أن الفرحة المؤقتة ليست هي السعادة، فكلمة السعادة ليست شعوراً فورياً مؤقتاً، بل ترمز لشعور أكثر امتداداً وعمقاً ذي تأثير طويل المدى.
المفارقة هنا هي أن الحلم الأمريكي هو روح هذا الشعب، وهذه الروح موجودة حتى في وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكية عام 1776م والتي استقلت بها أمريكا من أمها بريطانيا وصارت دولة جديدة، فمن أشهر العبارات التي أتت في هذه الوثيقة هي أن الشعب من حقوقه الأساسية ثلاثة أشياء: الحياة، والحرية، والبحث عن السعادة، والمفارقة تأتي عندما نعلم أن البحث عن السعادة يربطه الأمريكان بالبحث عن المال والبضائع، وكلما اشتدّوا وراءها ابتعدوا عن السعادة. وليتهم يعرفون أنه لا يجلب السعادة والرضا شيء مثل الإيمان وذكر الله، وقد قال سبحانه في الآية 13 من سورة الرعد: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّه، أَلَا بِذِكْرِ اللَّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.
ولكن لا فائدة من نشر هذه المعلومات بينهم وتوعيتهم بها، فالمادية عند الأمريكان قديمة ومتجذرة وبدأت فور وصول الأوروبيين لأمريكا في القرن السابع عشر الميلادي، واليوم هي أشد من أي وقتٍ مضى، رغم أن كل الدراسات والاستبيانات أظهرت أن السعادة طويلة المدى لا يمكن أن يأتي بها المال، منها دراستان كبيرتان وجدت أولاهما أن من تزداد المادية لديهما يصيرون أقل سعادة، ومن تزداد متعتهم عند شراء السلع فإن سعادتهم بشكلٍ عام أقل من غيرهم، ووجدت الدراسة الثانية أن المادية تتناسب طردياً مع مشاكل نفسية بالغة مثل جنون الشك والنرجسية (عشق الذات) وحتى مرض الاكتئاب الخطير، فكلما زادت المادية لدى قوم زادت هذه الأشياء. القناعة كنزٌ لا يفنى، سئمنا من ترديدها ونحن صغار لكن إذا تبصَّرنا في حال هؤلاء المساكين اللاهثين وراء المادة أدركنا حقيقتها.