صدر كتاب عن معهد “السلام الأمريكي” الكائن في العاصمة الأمريكية واشنطن للمؤلف الباحث وخبير الإرهاب الدولي، جابريل ويمان Gabriel Weimann، وهو يتعرض بالتحليل الوافي للزيادة المخيفة في عدد المواقع الإلكترونية التي تديرها المنظمات الإرهابية على شبكة الإنترنت العالمية.
فقد قفز عدد تلك المواقع من 12 موقعا عام 1998 إلى 4.800 موقع في الوقت الحالي، مما يعتبر مؤشرا خطيراً للوجود المكثف للإرهاب على صفحات الشبكة العنكبوتية، ويقول المؤلف إن هناك حرباً ضروساً تدور على ساحة الشبكة العنكبوتية الرهيبة، بيد أننا لا نراها، وبالتالي نجهل وجودها أساساً. كثرة المواقع الإلكترونية للشبكات الإرهابية تدق ناقوس الخطر! وفي هذا الفصل استفاض الكاتب في شرح تلك الحرب، وجاء عرضه لتلك القضية الخطيرة مفعماً بالحيوية والتصوير الدقيق لأبعاد الإرهاب الإلكتروني أو ما يسمى اصطلاحاً cyberterror. والكتاب هو ثمرة دراسة دامت 8 سنوات، ويسرد فيه ويمان كيفية استخدام الإنترنت، من قبل المنظمات الإرهابية وأعضائها، في تنفيذ مخططاتها الإجرامية، وذلك بصورة يومية، كما يقول (ويمان) أن الجهود التي تبذلها الحكومة الأمريكية للحد من ظاهرة الإرهاب الإلكتروني تشكل تهديداً مباشراً علي الحريات المدنية للأفراد العادية الأخرى التي لاحول لها ولا قوة.
ويستطرد المؤلف قائلاً “إن وجه الإرهاب قد ازداد قبحاً عما كان عليه في الماضي، فمع ظهور الإنترنت وجد الإرهاب مرتعاً خصباً يرتع فيه ويترعرع، وعلى الرغم من أن الإرهاب الحالي لا يتمركز في مكان بعينه، كما أنه ضعيف البنيان وغير منظم، إلا أنه أكثر خطورة من إرهاب أواخر القرن العشرين.”
إن الإرهاب الحديث أصبح أكثر ضراوة لاعتماده على التكنولوجيا المتطورة للإنترنت التي ساعدت المنظمات الإرهابية في التحكم الكامل في اتصالاهم ببعضهم البعض، مما زاد من اتساع مسرح عملياتهم الإرهابية، وبالتالي أصبح من الصعب اصطياد هذا الوحش الإلكتروني الجديد، وطعنه في مقتل. تطور الإرهاب الإلكتروني يضيف الكاتب أن النظرة على الإرهاب الإلكتروني كانت تنحصر في الأعمال الإرهابية التخريبية مثل اختراق المواقع الإلكترونية العسكرية والمدنية، وأغفلت تماما أنشطة أكثر خطورة، وهي الاستخدام اليومي للإنترنت من قبل المنظمات الإرهابية لتنظيم وتنسيق عملياتهم المتفرقة والمنتشرة حول العالم. أن الوجود الإرهابي النشط على الشبكة العنكبوتية هو متفرق ومتنوع ومراوغ بصورة كبيرة، فإذا ظهر موقع إرهابي اليوم، فسرعان ما يغير نمطه الإلكتروني، ثم يختفي ليظهر مرة بشكل جديد وعنوان إلكتروني جديد بعد فترة قصيرة.
ويؤكد المؤلف أن الجهود الحثيثة لمنع منظمة “القاعدة” من استخدام شبكة الإنترنت باءت بالفشل، فعند اختراق أحد مواقعهم أو استئصاله من الشبكة، تظهر عدة مواقع جديدة بملقمات جديدة URL.كما يعرض الكتاب نبذة عن العدد الضخم للمنظمات الإرهابية من مختلف أنحاء الكرة الأرضية، التي تحتل شبكة الإنترنت، والمواقع الإلكترونية لتلك المنظمات لا تخاطب أعوانها ومموليها فحسب بل توجه رسالاتها أيضاً للإعلام والجمهور الخاص بالمجتمعات التي تقوم بترويعها وإرهابها، وفيها يدعي الإرهابيون أنهم أصحاب قضايا نبيلة، ويشتكون من سوء المعاملة من قبل الآخرين.
ويرى المؤلف أن الهدف من كتابه هو التعريف بوجود الإرهابيين على الساحة الدولية واستعراض قوتهم، ويرى أن وظيفة الإرهاب هي بث الرعب والحيرة في قلوب المواطنين الأبرياء عن طريق التهديد ورسائل التحذير، ومنذ ظهور الاختراع العجيب المسمى بالإنترنت أصبحت الخيوط كلها في أيدي الإرهابيين أنفسهم.العناصر الأساسية لاستخدام الإنترنت في أغراض إرهابية يبين الكاتب كيف يستخدم الإرهابيون شبكة الإنترنت في إغراضهم الخبيثة كل يوم، على النحو التالي:
- التنقيب عن المعلومات: إن شبكة الإنترنت في حد ذاتها تعتبر مكتبة إلكترونية هائلة الحجم، وتكتظ بالمعلومات الحساسة التي يسعى الإرهابيون للحصول عليها مثل أماكن المنشآت النووية، والمطارات الدولية، والمعلومات المختصة بسبل مكافحة الإرهاب، وبذلك يكون 80% من مخزونهم المعلوماتي معتمداً في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للكل، دون خرقاً لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة.
- الاتصالات: تساعد شبكة الإنترنت المنظمات الإرهابية المتفرقة في الاتصال ببعضها البعض والتنسيق فيم بينها، وذلك نظراً لقلة تكاليف الاتصال باستخدام الإنترنت (chatting-محادثة)، مقارنة بالوسائل الأخرى، كما أنها تمتاز بوفرة المعلومات التي يمكن تبادلها، وقد أصبح عدم وجود زعيم ظاهر للجماعة الإرهابية سمة جوهرية للتنظيم الإرهابي الحديث، مختلفاً بذلك عن النمط الهرمي القديم للجماعات الإرهابية، وكل هذا بسبب سهولة الاتصال والتنسيق عبر الشبكة العالمية.
- التعبئة وتجنيد إرهابيين جدد: إن استقدام عناصر جديدة داخل المنظمات الإرهابية، يحافظ على بقائها واستمرارها، وهم يستغلون تعاطف الآخرين من مستخدمي الإنترنت مع قضاياهم، ويجتذبون هؤلاء السذج بعبارات براقة وحماسية من خلال غرف الدردشة الإلكترونية، ونحن نعلم أن تسلية الشباب والمراهقين هي الجلوس بالساعات الطويلة في مقاهي الإنترنت للثرثرة مع جميع أنواع البشر في مختلف أنحاء العالم.
- إعطاء التعليمات والتلقين الإلكتروني: يمتلئ الإنترنت بكم هائل من المواقع التي تحتوي على كتيبات وإرشادات تشرح طرق صنع القنابل، والأسلحة الكيماوية الفتاكة، وعند استخدام محرك البحث “غوغل” Google عام 2005 للبحث عن مواقع تضم في موضوعاتها كلمات مثل “إرهابي terrorist و”دليل” handbook، فكانت نتائج البحث ما يقرب من ثمانية آلاف موقع.
- التخطيط والتنسيق: تعتبر شبكة الإنترنت وسيلة للاتصال بالغة الأهمية بالنسبية للمنظمات الإرهابية، حيث تتيح لهم حرية التنسيق الدقيق لشن هجمات إرهابية محددة، كما أن أعضاء (القاعدة) البارزين اعتمدوا بشكل مكثف على الإنترنت في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر، ويستخدم الإرهابيون الرسائل الإلكترونية العادية email وغرف الدردشة chat rooms، لتدبير الهجمات الإرهابية وتنسيق الأعمال والمهام لكل عنصر إرهابي.
- الحصول على التمويل: يستعين الإرهابيون ببيانات إحصائية سكانية منتقاة من المعلومات الشخصية التي يدخلها المستخدمون على الشبكة من خلال الاستفسارات والاستطلاعات الموجودة على المواقع الإلكترونية، في التعرف على الأشخاص ذوي القلوب الرحيمة ومن ثم يتم استجداؤهم لدفع تبرعات مالية لأشخاص اعتباريين، يمثلون واجهة لهؤلاء الإرهابيين، ويتم ذلك بواسطة البريد الإلكتروني بطريقة ماكرة لا يشك فيها المتبرع بأنه يساعد إحدى المنظمات الإرهابية. القضاء على الإرهاب الإلكتروني وآثاره على الحريات المدنية للمواطنين يدعو الكاتب لأهمية عدم مقايضة الحريات المدنية للأفراد، بالقضاء على ما يسمى بالإرهاب الإلكتروني، فهو يقترح باتخاذ سبيلاً آخر، ويسميه ويمان “السبيل الذهبي Golden Path” أو الطريق الوسط، ومع الأخذ في الاعتبار أن الإرهابيين سوف يكونون أكثر اعتماداً على تكنولوجيا الاتصالات الإلكترونية في المستقبل، نظراً للتطور الرهيب والمتنامي في هذا المجال، وسوف يصبح الإرهاب أكثر تعقيداً وخطورة، فلا يجب البتة المبالغة في حجم الأخطار الحالية حتى يتسنى مواجهة تلك التحديات بشيء من الروية وحسن التصرف. وكما يستطيع الإرهابيون استخدام تلك الشبكة بكفاءة، كذلك يستطيع صانعو السلام، استخدام الإنترنت لمجابهتهم، عملاً بالمثل القائل “داوني بالتي كانت هي الداء”، والمقصود هو نشر الأفكار السامية والمتحضرة التي تدعو إلى السلام والمحبة والتعايش السلمي بين الحضارات المختلفة، وبالتالي تطغي تلك المواقع الصالحة من وجهة نظر الكاتب على السموم التي تنشرها المواقع الإلكترونية الإرهابية، تلك الأنشطة التي تدعم الدبلوماسية وإدارة الأزمات السياسية بالطرق السلمية عبر الشبكة العالمية للإنترنت، كانت هي الدعوة التي اختتم بها (ويمان) كتابه مستنداً إلى أدلة وبراهين دامغة على استخدام المنظمات الإرهابية لهذا الاختراع الرهيب المسمي بالإنترنت، والذي أصبح جزءاً لا يتجزأ من عالمنا اليوم لكن بعد قراءة هذا الكتاب القيم يقف الإنسان ليتساءل بما أننا أكثر البلدان في العالم استهدافا للعمليات الإرهابية وشبابنا هم الأدوات بل إنهم أصبحوا مطلبا لكل من أرد أن يوقظ فتنة أو يشق صف أمة فأصبحوا حطباً لكل نار توقد في مناطق الصراع الدولية يتم خلاله تجنيدهم في الخلايا الإرهابية من خلال فيروس النت ما نحن فاعلون؟ وكيف نحصن شبابنا من من شيوخ النت الذين يسعون جاهدين لصطياد هم والتغرير بهم بعد أن استغل دعاة الضلال شبكة الإنترنت وسيلة لتحقيق هذه الغاية الدنيئة التي تنعكس آثارها سلباً على أمن هذا الوطن واستقراره ومستقبل أبنائه وسمعتهم في الداخل والخارج وتشويه صورته لدى العالم أجمع لذلك يجب أن يتحمل كلا منا مسؤولياته في الحفاظ على أجيالنا من فيروس النت الفكري الذي حذر منه الأمير نايف رحمه الله والذي حول فيه أعدائنا أبنائنا إلى سهام في نحورنا. من خلال الحلول التالية:
1- ضرورة إيجاد البديل القوي والمنافس على شبكة الإنترنت، وأن تتضافر جهود علماء الشريعة والتربية مع جهود الجهات الرسمية ورجال المال والأعمال في هذا السبيل.
2- أهمية المبادرة بتعريف الشباب بشبهات المنحرفين فكرياً والرد العلمي عليها قبل وصولها إليهم من خلال مواقع الانترنت.
3- تحصين الشباب فكرياً ودينياً وثقافياً، والحرص على بناء محتوى وطني مميز في الإنترنت، وفق خطة تراعي تمايز المشارب والأذواق، تتيح للشباب الانخراط في أنشطة ثقافية وإبداعية متنوعة، تستهدف تنمية المهارات التي يتمتع بها الشباب، ولا يجد لها متنفساً حقيقياً تستطيع من خلاله التعبير عن نفسه.
4- إن الجهود المبذولة حالياً على الشبكة لابد من تحلي القائم عليها بعدة صفات، من أبرزها الصبر والرفق والحلم والالتماس الحواري للأعذار والتنازل والتواضع والاستماع. إن المتابع للمنتديات المشهورة ليجد فيها من يحمل فكراً سليماً وحساً وطنياً ولحمة اجتماعية.
5- دعم وتشجيع الإخوة الزملاء في برنامج حملة السكينة التي حققت جهودا طيبة من خلال مراجعاتها مع المتعاطفين أو المؤيدين للعمليات الإرهابية ولجهودهم المباركة أثرا كبيراً في عودة كثيراً من الشباب المغُرر به.
6- الاستفادة من الخبرة الكبيرة التي تمتلكها وزارة الداخلية فيما يخص الأمن المعلوماتي والتي حققت نجاحات كبيرة تم من خلالها القبض على الكثير من المنظرين ورموز الفكر على الإنترنت الذي كانوا يعملون بأسلوب علمي وذكي.
في هذه الحالة سوف يعلن العدو المتربص إفلاسه ونكون بذلك قد أغلقنا وجففنا أهم منافذ ومنابع الإرهاب في وجهه.. يقول سمو الأمير نايف رحمه الله (تبرز أهمية النشاط الفكري في أن يتساوى مع النشاط الأمني مشيراً إلى أنهما إذا لم يكونا متساويين فإن التضليل سيبقى موجوداً في الأذهان).
hdla.m@hotmail.comباحث في الشؤون الأمنيّة والقضايا الفكريّة ومكافحة الإرهاب