وأخذ الحذر مطلب إسلامي، ولاسيما أن الواقع العالمي مأزوم من كل الوجوه، وأن المصالح تسيّر السياسة. وإذ نكون آمنين في سِرْبِنا، متعافين في أبداننا، متوفرين على أقْواتنا، فإن من أوجب ما يجب علينا التلبس بالشكر: قولا وعملا:
اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ، والتحرف الحصيف لتحري البدائل، وتمحيص الخيارات، فالمصدر الواحد كالحبل الواحد، قد يَنْبَتُّ في ساعة العسرة، والحبال الثلاثة أفضل من الحبلين، لأنها تبعث على الثقة. وما لذي يمنع من التفكير الجاد في البدائل في الرخاء، لتكون عضداً لنا في ساعة العُسْرة، على افتراض أن النفط مُعَرَّض للنفاد، أو البدائل الأيسر، أو الأرخص، أو الكساد، وهي آفات متوقعة، فعلى الرغم من أن زيادته مواكبة لزيادة السلع ، فإن المستورد جاد في اكتشاف البدائل.
وقد تعرضت دول أقوى منا لآفة من هذه الآفات، أدى بها إلى اختناقات معيشية، وأزمات اقتصادية، لم تستطع الخلوص منها.
وهذا “القطن” يتعرض للكساد، لوجود البدائل. وحتى لو كانت [الطاقة النفطية] أرخص من غيرها، فإن تعويد الناس على تنويع المصادر، وإشاعة ثقافة البدائل تمهيداً لمواجهة الاحتمالات السيئة أفضل من الركون إلى مصدر واحد للطاقة والرزق.
إننا اليوم نمتلك أكثر من خيار، وقد نفاجئ العالم بمبادرات لا تخطر له على بال، ونحن اليوم، وفي ظل التضخم، نتعرض لفوائض في الميزانية، تضطرنا إلى البحث عن مشاريع، ربما لا تكون من الأولويات، وننسى أنَّ بلادنا صحراوية جافة لاهبة. إن بإمكاننا التحرف لإنشاء غابات كثيفة، وبحيرات صناعية، وذلك بنقل مياه البحر عن طريق أنابيب أو قنوات، يُدْفع الماء فيها بالطاقات البديلة إلى الصحاري الشاسعة، بحيث تساعد على الرطوبة، وقد تتم التحلية منها، وتنمية الثروة السمكية بكل أنواعها.
لقد سمعنا من قبل بمحاولة نقل [جبال الثلوج] عن طريق البحر، وهي رؤية من تلك الرؤى التي لم نستوعبها، ولم نحاول مناقشتها، أو منافستها ببدائل أخرى. وبلادنا إذ تكون صحراءً محاطةً بالبحار فإن من الحصافة أن نخترقها بالقنوات، وأن نصدعها بالبحيرات، وماذا جنت مصر من [قناة السويس].
ومما يُعقِّد الاشكالية أن المملكة تواجه انفجاراً سكانياً، وتُمنى بتركيبة سكانية عمرية لم تتعرض لها أي دولة في العالم. وهذه الظاهرة مخيفة، وتحتاج إلى مزيد من التفكير في إيجاد مجالات للعمل المنتج، وليس للبطالة المقنعة، فالمملكة دولة شباب، إذ تشكل التركيبة السكانية الشبابية فيها نسبة غير متوازنة. والشباب مقبلون على الدنيا بكل شهواتهم، وتطلعاتهم، وطموحاتهم، فهم يعيشون مرحلة التكوين القائمة على المطالب الملحة، ومن ثم يحتاجون إلى الدراسة، ولقد استطاعت الدولة حل هذه الإشكالية كَمًّا على الأقل، وهم بحاجة إلى مجالات العمل والسكن ولما تزل تلك الإشكاليات مستحكمة الحلقات. فالعمل لا يمكن أن يُحل بالتوظيف الحكومي، لأنه لا ينهي الإشكالية، ولكنه يزيدها تعقيداً وتراكمية. فالشباب بهذا الحجم، وبهذا التكاثر، بحاجة إلى عمل منتج، تتحول فيه الأمة من معولة إلى عائلة، ومشكلة البطالة لاتحل بإحداث وظائف مفتعلة في الأجهزة الحكومية، على شكل كتبة، لاستيعاب الفائض من الخريجين، دون أي [استراتيجية]، تضع للإنتاج أهمية.
ولعلنا ونحن نشير إلى معضلة التركيبة العمرية الأكثر تعقيداً أن نشير إلى معضلة أخرى، وهي استغلال الرؤية الإسلامية في التعدد والإنجاب. وأي رؤية لا تؤخذ بضوابطها ومحققاتها الإيجابية، تتحول مع الزمن إلى عقبات في سبيل الإصلاح. فدعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لمستطيعي الباءة من الشباب إلى الزواج، وتفضيله للمرأة الودود الولود، وإباحته للتعدد، تحتاج إلى قراءة واعية. فالزواج مسؤولية، والإنجاب مسؤولية، ومتطلبات التربية والتعليم باهظة التكاليف، ولكل مسؤولية تبعاتها. وجدير بمن أقدم على ذلك أن يحسب للمسؤوليات حسابها المناسب. فالأبناء يحتاجون إلى تربية وتعليم وحماية ومتابعة. ولاسيما أن الزمن موبوء، وبلادنا مستهدفة بالمخدرات، والأفكار الضالة، وموبوءة بمشاكل العمالة، ومهددة بحوادث المرور.
وفوق هذا فإن كل الكماليات الثانوية تتحول إلى ضروريات أولية، ومهما ارتفعت الدخول فإن أبوابا من الكماليات والضروريات تُكسْر، ولا تفتح، ومن ثم تظل مشرَّعة، لتشكل ضغطاً على الدخول، وكل من لاقيت من موظفي الدولة يشكو وضعه المالي، وهذه المطالب الملحة قد تحمل على فقد الأمانة، والركون إلى مصادر دخل غير مشروعة.
وإقدام الدولة على إنشاء “هيئة لمكافحة الفساد” دليل على تفشي تلك الظاهرة. والصحابة رضوان الله عليهم المتمثلون لأمر الله، كان بعض منهم يعزل والقرآن ينزل، كما في الأثر الصحيح، وفي متون الفقه:- [يجوز إلقاء النطفة بدواء مباح قبل الأربعين]. وهذه الشواهد من التشريعات المبكرة تؤكد إحساس خير القرون بأهمية تنظيم النسل.
وفي ظل هذه التشريعات، والإشارات فإن على الجهات المعنية، وهي تواجه عدة أزمات، أن ترتب أمرها، لتواجه النوازل بما يليق بها، واستجابة الأمة مرتبطة بإشاعة ثقافة البدائل:
فأزمة الطاقة.
وأزمة البطالة.
وأزمة الإنفاق.
وأزمة الانفجار السكاني.
وأزمة السكن.
لا يمكن تفاديها بالمسكنات والتأجيل إذ لابد من تحرف معرفي، يحسم المشكلة، ويمكن من التوجه لغيرها.
إننا في مجمل مواجهاتنا لانحسم المشاكل، ولكننا نؤجلها بالمهدئات. ولقد نكون اليوم قادرين على التأجيل، ولكننا في مستقبل الأيام لن يتأتى لنا الحل المؤقت، وإن كان المثل الغربي يقول: “لا يدوم إلا المؤقت”.
وتنويع مصادر الطاقة له عوائد كثيرة من أهمها: تعدد مصادر الدخل، وتوفير فرص العمل الإنتاجي، وليس الاستهلاكي.
فلنبادر إلى التفكير الجاد، ولنَسْع إلى تشكيل هيئات، ومنظمات، وخبراء، ومستشارين، للبحث عن البدائل، وفك سائر الاختناقات، فالزمن موات، والأوضاع مناسبة، والجبهة الداخلية متصالحة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومالم نتداركه اليوم لن نكون قادرين على تداركه غداً.