بقدر ما يؤكد الرئيس العام لشؤون الحرمين -فضيلة الشيخ- عبد الرحمن السديس، على أن: «الدعوة إلى تسييس الحجِّ، أو رفع الشعارات، وتحرك المسيرات، والمظاهرات، مخالف لمقاصد الحجِّ»، بقدر ما يفوت المرء على نفسه من النفع الكبير، حين يؤدي عبادة الحجِّ بمعزل عن إدراك المقصد الأسمى، الذي شرعت من أجله.
عدم الدعوة إلى تأمل مقاصد الحجِّ الجليلة، والغايات، والحكم، والدلالات، -ومثله- عدم الانشغال بالأحكام الفقهية الدقيقة، هو ما أضعف أثر الحجِّ في إصلاح النفوس، والمجتمعات.
وعكس ذلك، سينقل العبادة من مجرد طقوس، وشعيرة، إلى روح، ومعنى، ومشاعر. ومن أكرمه الله باستشعار هذه المعاني، والمقاصد، سيتفضل الله عليه بمغفرة ذنوبه، وآثامه، ويعينه على الثبات.
إن متانة الأواصر التي تربط بين الدين بالمقاصد، والحكم، هي مدارج الكمال المنشود، وروافد التطهر الذي يصون الحياة، ويعلي شأنها. وعندما أتأمل قول الله -جلّ في علاه-: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ}، كثيرًا ما أتساءل: كم تبعث هذه الآية الأمل في النفس؛ لتمنح الإنسان مزيدًا من الجدِّ، والعمل. فمنافع الحجِّ ذات مقاصد، وأبعاد شخصيّة، ومجتمعيّة، وأخلاقيّة، وتربويّة، وسياسيّة، واقتصاديّة، إذا انكشف بابها، ظهر من أسرارها ما يقتضيه صفاء القلب، وغزارة العلم، والفهم. إذ إن المقصود الأول من تشريع العبادات، هو: إصلاح الإنسان وتهذيبه، وتربيته، وترويضه على الفضائل، وتطهيره من النقائص، وتحريره من رق الشهوات، والرقي به إلى أعلى المقامات.
بقي القول: إن ما تقوم به حكومة -خادم الحرمين الشريفين- من جهود مضنية على كافة الأصعدة؛ ليتمكن الحاج من أداء مناسكه بيسر، وسهولة، ويعودوا إلى أوطانهم -آمنين مطمئنين-، يندرج في تحقيق المصالح -التي أشرنا إليها آنفا-، بغض النظر عن أن يكون ذلك وهجًا إعلاميًّا -فحسب-، بقدر ما هو دحر للأصوات الشاذة، التي تستهدف الحقائق، وتستغل كل شاردة، وواردة ؛ من أجل الإساءة إلى المملكة، دون أن يستذكروا هذا التاريخ الطويل، عن إسهامات هذه البلاد في تسهيل شعيرة الحجِّ، وما تقدمه للمسلمين؛ من أجل العمل على تيسير أداء المناسك؛ ولتكون هذه العناية، هي المفتاح الذي تدخل -من خلاله- هذه البلاد إلى قلوب المسلمين، وتنال مكانتها اللائقة بها.
drsasq@gmail.com