(توفي صباح اليوم الدكتور عبد الله طارش الحربي «كلية التربية - جامعة حائل»رحمه الله، وسيصلى عليه بعد صلاة العصر في جامع برزان والدفن في مقبرة صديان إن شاء الله)..
جاءتني هذه الرسالة الهاتفية المحزنة والمؤلمة والمفاجأة بعد ظهيرة يوم عرفة.. لم أصدق ما أقرأ، أسرعت بالاتصال على عدد من الزملاء في الجامعة أتحرّى وأتقصى الخبر، وإذ الجميع يؤكّد ما سمعت ويعطي تفاصيل أكثر عمّا قرأت!!
لقد توفي في هذا اليوم العظيم «يوم عرفه» الخميس الماضي 9-12-1433هـ الصديق العزيز والأخ الحبيب الدكتور عبد الله طارش الحربي الذي عرفته طالباً متفوقاً في كلية المعلمين وزميلاً عزيزاً ضمن منظومة أعضاء هيئة التدريس في جامعة حائل «معيداً ثم محاضراً ثم أستاذاً مساعداً «وكان قبل أيام معدودة يلملم بقية أوراقه استعداداً للترقية العلمية التي يستحقها) وطوال هذا المشوار الحافل بالبحث والدراسة والتدريس وخدمة المجتمع تميز رحمه الله بالجدية والمثابرة والتحدي، وعرف عنه صفاء السريرة ونقاء السيرة صريحاً في مطارحاته واضحاً حين مكاشفاته نقياً في ذاته طموحاً متفائلاً متطلعاً وتواقاً للمشاركة في فعل كل خير، وعني فقد كان صديقاً عزيزاً مبادراً للواصل والاتصال، ومنه رسائل قصيرة عزيزة على نفسي ما زالت باقية في الذاكرة لم أستطع أن أمحوها مع تقادم زمنها وكثرة اطلاعي عليها لما تحمله من دلالات عميقة وقوية ولما فيها من حكم جامعة وذكية.
أعلم شرعاً وعقلاً، بالدليل والمشاهدة أن الموت حقيقية مطلقة، وأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، ولكنه مع ذلك في ميزان العاطفة الجبلية «مصيبة» كما قال الله عنه، ولذا فقد هزّني خبر الرحيل هذا، جلست منذ بعد أن أفقت من شدة هول المصيبة أقلب صفحات الماضي، أتأمل في الحال، أفتش عن ذاتي وسط الراحلين يوماً ما.. ترى كيف سيكون القدوم على الله.. وما هي حالي أول ليلة في القبر.. ما الجواب حين يسألني ملائكة الرحمن عن ربي وديني ونبي؟
استمر حواري مع نفسي وأنا في طريقي إلى مسجد برزان، وظلت صورة الصديق حاضرة بين عيني..أتذكر التاريخ الرائع الذي يشهد له حبه للخير وسعيه له، أعرف عنه حماسه للمشاركة في مسارب التنمية المختلفة خاصة الثقافية والعلمية منها ولعل آخر حديث سمعته منه في هذا الباب كانت مداخلته على محاضرة سعادة الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة في حائل مطالباً إياه بدعم رغبة أهالي المنطقة تأسيس مؤسسة صحفية تصدر جريدة يومية للشمال تهتم بأخبار هذا الجزء من الوطن وتتابع أحداثه وتحتضن إبداعاته.
حين انتهت صلاة العصر قام المؤذن ليعلن في الناس عن الصلاة على «رجل» والدفن في صديان!
آه.. هكذا هي النهايات «الصلاة على الرجل أو المرأة أو الطفل» لا يهم ابن من أنت.. ولا لأي قبيلة ترجع.. ولا ما هي الشهادات التي تحملها.. ولا حتى المنصب الذي تسنمت.. ولا مقدار الراتب الذي تتسلّم.. ولا السيارة التي تركب..ولا الزوجة، ولا الولد والبنت، ولا... فأنت في النهاية مجرد رقم سيضاف إلى أعداد الموتى اليوم الخميس أو الجمعة أو... في بقية أيام الأسبوع، ولذلك القول الفاصل في هذا المقام وباختصار {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا}.
لقد كان - رحمه الله- إماماً يصلي بالناس ويذكّرهم بالله ويحثهم على فعل الخير ويعين المحتاج وذي العوز ويساعد الضعفاء والغرباء خاصة العمال منهم،كما كان حريصاً على تربية أولاده واصطحابهم معه للمساجد وملتقيات الرجال منذ صغرهم وحتى لحظة رحليه عنهم، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ونوَّر له قبره وثبته حين السؤال.
إن هذا كله وغيره كثير لن يضيع عند الله، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
بقي في حق الزميل العزيز الترحم عليه والدعاء له والوفاء مع أبنائه، وقد نما إلى علمي عزم عدد من الزملاء في الجامعة تأسيس صندوق خيري لبناء وقف خاص يحمل اسم زميلهم الراحل عن دنيا الناس الباقي معهم بقلبه الطيّب وصنيعه الخير وسيرته العطرة، فجزى الله خيراً من سنَّ هذه الفكرة الخيِّرة وطرحها ودعمها وباركها وأعان على نشرها وتفاعل معها، ورحم الله أبا سعد ورزق أهله وذريته الصبر والسلوان و {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }، دمتم بخير، وإلى لقاء، والسلام.