قال أبو عبدالرحمن: سمعتُ فتوى لعالم رباني (أتقرَّبُ إلى الله بمحبته، وأدعو له بظهر الغيب، وأتحرَّى وقت حديثه العذب بفارغ الصبر) يُفْتي بجواز الحلف بالقرآن؛ لأن كلام الله صفته.. وإنها والله فتوى يقشعر لها الجلد،
وإنني لأرجو من هذا الإمام الكبير مَتَّعه الله بالصحة والعافية وسعادة الدارين: أن يعيد المراجعة، وأن يستخير ربه، وأن يدعو في سجود الاستخارة بأن يريه ربه الحق حقاً ويرزقه اتِّباعه.. إلخ، وأن يستعيذ بالله أن يقول ما ليس له به علم، وأن يقول: يا معلم إبراهيم علِّمني، ويا مفهِّم سليمان فهِّمني.. والله سبحانه وتعالى أخذ على رجال العلم أن يبلِّغوا ما علموه مُحَقَّقاً أن يبلِّغوه ولا يكتموْه؛ لهذا أُبرِّئ ذمتي ببيان أن الحلف بالقرآن لا يجوز، وَأَقْرِن البيان بالبراهين الواضحة، وأُطالب ببراهين تدفعها، والبرهان لا يمكن أن يدفعه برهان؛ لأن الحقيقة واحدة تُعارض بالشُّبهة ولا يدفعها برهان.. وبياني وبراهيني من وجوه:
قال أبو عبدالرحمن: سمعتُ فتوى لعالم رباني (أتقرَّبُ إلى الله بمحبته، وأدعو له بظهر الغيب، وأتحرَّى وقت حديثه العذب بفارغ الصبر) يُفْتي بجواز الحلف بالقرآن؛ لأن كلام الله صفته.. وإنها والله فتوى يقشعر لها الجلد، وإنني لأرجو من هذا الإمام الكبير مَتَّعه الله بالصحة والعافية وسعادة الدارين: أن يعيد المراجعة، وأن يستخير ربه، وأن يدعو في سجود الاستخارة بأن يريه ربه الحق حقاً ويرزقه اتِّباعه.. إلخ، وأن يستعيذ بالله أن يقول ما ليس له به علم، وأن يقول: يا معلم إبراهيم علِّمني، ويا مفهِّم سليمان فهِّمني.. والله سبحانه وتعالى أخذ على رجال العلم أن يبلِّغوا ما علموه مُحَقَّقاً أن يبلِّغوه ولا يكتموْه؛ لهذا أُبرِّئ ذمتي ببيان أن الحلف بالقرآن لا يجوز، وَأَقْرِن البيان بالبراهين الواضحة، وأُطالب ببراهين تدفعها، والبرهان لا يمكن أن يدفعه برهان؛ لأن الحقيقة واحدة تُعارض بالشُّبهة ولا يدفعها برهان.. وبياني وبراهيني من وجوه:
أولها: أن الكلام ليس صفة لله، بل هو اسم جامد؛ وإنما صفة الله أنه متكلِّم، وأنه يتكلم إذا شاء؛ ولهذا لا تقول: (الله الكلام)، وإنما تضيف فتقول: (كلام الله).
وثانيها: أن كل صفة لله منها ما يصدر عنها فعل لله كنزول الله سبحانه وتعالى بما يليق بجلاله وعظمته وإن لم يصدر عنها مفعول له، ومنها ما يصدر عنها مفعول لله كرحمة الله وخلق الله من صفتيه جل جلاله (الرحيم الخالق) فالغيث رحمة الله، والسموات خلق الله؛ فمن أجاز الحلف برحمة الله وبخلق الله فعليه البرهان التوقيفي، ولا سبيل إلى ذلك.. وَحَمَلَةُ العرش عليهم سلام الله وبركاته -؛ لعلمهم بأن الله واسع رحيم عليم - لما أرادوا دعاء ربهم بأنه الواسع، وأرادوا خصوص الرحمة والعلم: ناجوا ربهم بصفة الواسع، وَميَّزوا ما أرادوه بالرحمة والعلم؛ فقالوا كما قص الله عنهم: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً}؛ فناجوا ربهم بصفته نفسِه من الواسع، وهي صفة مطلقة الكمال في نفسه وفيما يصدر عنها من فعله الذي هو من صفاته؛ وذلك هو علمه الذي يتعلق بمعلومه؛ فلا يخفى على الله شيء؛ فهو العليم بنفسه، وهو العليم بخلقه.. ورحمة الله هي فعله الصادر عن صفته الرحيم، وتُطلق الرحمة على ما صدر عن صفته (الرحيم) وعن فعله أنه يرحم؛ فيكون مِن فعله مفعوله كالغيث هو خلق الله، وقد سماه ربنا رحمة كما في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}.. وليس من توقيف الشرع أن تقول: (يا رحمة الله ارحميني)؛ لأنها تتعلق بفعله غير المخلوق وبمفعوله المخلوق؛ وإنما تدعو الله نفسه، وتُعَيِّن مطلوبك مِن أفعاله جل جلاله؛ فتقول: (اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين).. وليس من توقيف الشرع أن تقول: (يا علم الله)، وإنما تدعو الله بصفة العلم؛ فتقول: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق: أحيني ما علمت الحياة خيراً لي)؛ فأنت تدعو الله، وتُعيِّن مطلوبك من الإحياء والخيرية الصادرة عن فعله نفسه جل جلاله الذي هو صفة له؛ وذلك هو العلم والقدرة.. وهكذا تقديم دعاء الله نفسه في دعاء الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك.. إلخ).
وثالثها: أن من أسماء الله وصفاته ما هو جامد لا يعمل عمل الفعل مثل (الجواد)، ولا يقبل أيُّ صفة لله إلا بالتوقيف الشرعي من عند الله، ولم يرد وصف الله بأنه (الكلام).
ورابعها: أن بعض الأسماء الجامدة تعمل عمل الفعل مثل (كلامي إياك ينفعك)؛ فَضُمِّن الكلام معنى المشتق العامل؛ إذ المعنى (تكليمي إياك)؛ فصح أن صفة الله التكليم والتكلُّم والمتكلم ويتكلم إذا شاء.
وخامسها: أن مناجاة الله بالدعاء، والتعبيد له لا يكون إلا بالأسماء الحسنى، فلا تقول: (يا غضب الله)، أو (عبد الغاضب)؛ لأن الله يغضب.. أو (يا نزول الله) أو (عبد النازل).. وأما دعاء الله بفعله فلا يكون إلا بدعاء الله نفسه قبل ذكر فعله؛ فتقول: (اللهم رب السموات السبع، ورب الأرض، ورب العرش.. ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والقرآن: أعوذ بك.. إلخ)؛ فالدعاءُ لله (اللهم)، والدعاء للرب (رب السموات).. و(فالق الحب) فعل لمن دعوته، وهو الله الرب الكريم القدير؛ وإذن فلا تدعو القرآنَ بدعوى أنه صفة لله، وإنما تدعو الله بفعله، وهو أنه منزل كتبه كالتوراة والإنجيل والقرآن؛ فادعوا الله بمنزِّل القرآن، ولا تتجاوزوا إلى ما ليس لكم به علم لا من الشرع ولا من ضرورة لغة العرب التي هي لغة الشرع.
وسادسها: أن التكلم صفة اختيارية، وليست من الأسماء الحسنى التي يُتَعبَّد الله بها ويُدعى؛ فلا تقول: (عبد المتكلم) ، ولا (يا متكلم)
وسابعها: أن وصف الله بالكلام يقتضي قول: (عبد الكلام، وارزقني يا كلام)، وهذا قول بلا برهان.. وهكذا قولهم (عبد الموجود)؛ فهذا تعبيد جرى عند العامة، وهو اعتداء وتنقُّص للرب سبحانه؛ فليست (الموجود) صفته على الإطلاق، بل بقيدِ وحدانية الله على صفة الكمال؛ فليست (الموجود) من أسماء الله الحسنى.
***
سمعت عالماً كبيراً له في نفسي من التقدير ما للشيخ المذكور آنفاً يُجوِّز إهراق الماء المقروءة فيه نصوصُ الشرعِ في الحمَّام حال الضرورة عند الاغتسال به.
قال أبو عبدالرحمن: (الضرورة) احتمال للمحال؛ لأن الاغتسال بالماء المقروء فيه ليس ضرورة، بل يكون استعمال الرقية أخص من ذلك بشرب الماء المقروء فيه، وبالنفث مُجَرَّداً، وبالنفث والمسح على ما على فوق السُّرة.. كما أن تعذُّر وجود مكان طاهر يُغْتسل فيه احتمال لما هو غير محال في الواقع؛ لأن أرض الله واسعة، وأهل الخير كُثُر لا يمنعون الماعون الذي يتَّسع للاغتسال فيه؛ ولهذا لا يحل بوجهٍ من الوجوه، ولا بدعوى الضرورة إهراقُ الماء المقروءة فيه نصوص شرعية في مكان غير طاهر، وما قدَّس اللهَ مَن فعل ذلك.. وأما الادِّهان بالزيت والماء المقروء فيه فلا يَغْسِلُه إلا بعد تشرُّبِ الجسمِ إياه.. ولا ينبغي لمسلم أن يغتسل بماء مقروء فيه، ولا أن يَدَّهن بزيت أو ماء مقروء فيه إلا وهو على طهر ساتراً عورته بساتر صفيق حسب القدرة؛ لأن ما خرج عن القدرة معفوٌّ عنه.
***
سمعت بعض المفتين بقول ببدعيَّة رفع المُسَبِّحة مدة الجلوس للتشهد؛ لأنه مبنيٌّ على حديث موضوع؟!.. أما أن ذلك بدعة فَحقٌّ، وأما أن ذلك مبني على حديث موضوع فلا، بل هو مبني على نصوص صحيحة فُهِمَتْ على غير وجهها، وتحمَّس لها مَن علمه بالحديث دون علمه بالفقه كإمام مُحدِّثي العصر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، ولا أزال بسبيل تحقيق دَفْع الشُّبَه حول هذه المسألة، ولكنَّ مُوجَزَ القول ههنا: أن الجلوس للتشهد والدعاء المأثور أوسعُ مِن فعل التشهد والتسبيح، وسُمِّي الجلوسُ للدعاء المأثور تشهداً؛ لأن التشهد مما يُقال فيه.. والأصبع التي تُسمَّى سبَّابة الأولى أن تُسمَّى في هذا الموضع (مُسَبِّحة)؛ فإذا وَحَّد الله بالتشهد أو التقديس حرك أصبعه على الهيئة المشروعة، وليس كل الجلوس تشهُّداً وتسبيحاً.. وأما رفع المُسبِّحة كذنب العقرب فذلك هو البدعة المتنطِّعة، وقد آذاني بعض الشباب إذا صلوا جنبي بذنب العقرب، ولم تنفع فيهم المذاكرة، ولو كان لي بسطة في الجسم وقوة العضلات لقطعتُ ذنب العقرب.. وحِفْظُ الحديث بلا فقهٍ شرعيِّ واسعِ الأفق كارثةٌ.
***
سمعت عالماً جليلاً ربانياً رحمه الله تعالى يقول: (إن تقبيل المصحف بدعة)، والبدعة خلل في الدين عظيم، والتبديع بلا برهان أعظم من البدعة نفسها.. والمحقَّق أن احترام القرآن وتعظيمه هو الأصل الشرعي، وتقبيلَه إذا وقع في الأرض من صميم التعظيم، وقد أحسن من وجد وريقات من القرآن الكريم تالفة ساقطة في الأرض، فضمَّخها بالطيب، وصانها في حفرة جدار لا تدوسه الأرجل، والإحراق كالكيِّ آخرِ الطِّب.. ولا يحل لمسلم أن يُبَدِّع صورةً من صور تعظيم القرآن إلا ببرهان يستثني ما منع منه؛ لأن استصحابَ الشرع هو تعظيم القرآن بكل صورة إلا ما استثناه نص شرعي صحيح صريح.
***
الأصل في محاربة الغِش واستغلال المسلمين هو: جودة السلعة، وخُلوُّها: من الضرر، وعدم بخسها، أو احتكارها وقت الحاجة، وعدم رفع سعرها لغير مسوِّغ.. وإمام المسلمين مُنظِّمٌ أحوالَ المسلمين بمشورة ذوي العلم بالواقعة وذوي العلم بالحكم الشرعي، وأكثر ما أسلفته يشمله مصطلح (الجودة والمواصفات والمقاييس) وتوجد في مملكتنا الحبيبة إدارة تحمل اسم مُفْرداته.. وجهات الحسبة في ذلك دوائر المواصفات والمقاييس، ووزارة التجارة، ووزارة الصحة، والبلديات، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وقد شاهدتُ بمدينتي شقراء أيام طفولتي أشياخاً فضلاء يحملون المعيار للوزنة من قطعة حديد موزونة، فيزنون معايير أهل الحوانيت، ويزنون الخبز، ويتفقَّدون اللحم بالمجزرة، ويحاسبون على الاحتكار لغير ضرورة في وقت الحاجة، ويتدخلون في رفع السعر لغير مُسَوِّغ؛ ولهذا أبيِّن أن الغشَّ مُحَرَّم في شرع الله، وتزداد حرمته إذا ترتَّب عليه ضرر في النفس.. وبما أن الجوائح مرفوعة عن المسلمين بشرع الله، وكذلك البخْسُ في الكَميَّة والبخس في الكيفية (المواصفات والمقاييس والجودة).. وبما أن الأحكام لا تؤخذ مِن نصٍّ واحد، بل مِن نصوص مجتمعة، وبما أن وليَّ الأمر منظِّم لأحوال المسلمين وَفْق مشورة علماء الشرع والعلماء بالوقائع، وبما أن تنظيم ولي الأمر - ولا سيما في بلادنا - ضامن للبائع رِبْحه العادل بمقتضى التنظيم: فإنني مُبيِّن الأحكام الآتية:
الحكم الأول: أن ذوي الامتياز كبيع نوع من السيارات مكفول ربحهم العادل بتنظيم ولي الأمر بنسبة مُعَيَّنة بعد إحصاء تكلفة ذي الامتياز؛ فإذا تجاوز ذو الامتياز الربح المعيَّن، وادَّعى أن التكلفة زادت بالنسبة للشحن وأجرة المحلات.. إلخ: فإن ولي الأمر بعد مشاورة أهل الاختصاص يُضيف إلى ربحه نسبة ما زاد مع العمل على إزالة أسباب الغلاء.. والذي يحصل اليوم من ارتفاع الأسعار جوائح هائلة، فيقفز سعر السيارة التي قيمتها ثمانون ألف ريال إلى عشرات الألوف خلال أشهر محدودة، وفي حكم ذلك البضائع الغذائية؛ فمراقبة ارتفاع الأسعار من مهمات وزارة التجارة.
والحكم الثاني: أن طفرة الأسعار بين الحين والحين بلا مراقبة أحدثت فادحة أكبر، وهي التضَخُّم المالي المُمِيت القيمةَ الشرائية؛ فإذا كان دخل الفرد (ولا سيما الموظف) محدداً وإن كان عالياً بالنسبة للماضي، وظل غلاء الأسعار والخدمات على هذا الوضع: فإن القيمة الشرائية لألف ريال في الماضي ستكون أكثر من عشرة آلاف ريال الآن؛ وذلك هو التضخُّم.. ألا ترون أن الذبيحة التي سعرها في الماضي خمسمئة ريال أصبح سعرها الآن يقرب من ألفي ريال؟.. وولي الأمر قادر على فلِّ غرب ذوي الجشع بأسباب أسهلها أن تُوَرِّد الدولة بعض المستهلكات الضرورية كالذبائح والمواد الغذائية وتبيعها على الناس بربح معقول.
والحكم الثالث: أن المُسَعِّر الله بلا ريب، ولكنْ هناك نصوص يجب الجمع بينها، وذلك حينما يوجد البائعُ التقي السَّمْح إذا باع، ولم يكن الاحتكار مُضِراً.. ولا نُهمل بعد هذا قواعد الشريعة عن دفع الضرر، ورفع الجوائح عن المسلمين.
والحكم الرابع: أن ضعف القيمة الشرائية، والعجز عن تأمين الحاجات يُحدث أمراضاً نفسية لذي الدخل المحدَّد وإن كان عالياً كأن لا يقدر على الائتدام باللحم إلا مرة في الشهر.. ويُحدث أيضاً بعض الجرائم كالسرقة، وكل هذه الأحداث سببها تنافس البائعين وذوي الخدمات في رفع الأسعار، وكلما زاد دخل المستهلك كالموظف والعامل ازداد ارتفاع الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية.
والحكم الخامس: أن وَلِيَّ الأمر تبرأ ذِمَّتُه بالتنظيم العادل، ولكن التطبيق والمراقبة بالمتابعة مُهِمَّة ذوي الاختصاص الذين إذا خانوا أمانتهم كانوا غاشِّين لولي الأمر، مُلْحقين الأضرار الجسيمة المُخزية بالمجتمع؛ ولهذا لا بدَّ من هيئة نزيهة تتابع تطبيق الإصلاح الإداري، ومع نزاهتهم يَظلُّون تحت رقابة ولي الأمر حسب النتائج التي تصِله من عموم الرَّعية، وكل ولي أمْرٍ يعلم كثيراً من الوقائع كأسعار البيوت والسيارات.. وقلت: (يظلون تحت الرقابة)؛ لأن النزيه قد يضعف على المدى بالمُغريات.
والحكم السادس: أن الغش في البضائع من ناحية البخس كمَّاً أو كيفاً مهمة كل الجهات التي أسلفتها؛ فإذا كان الغش يُحدث ضرراً في الأنفس كالأغذية المنتهية صلاحيتها فذلك مهمة وزارة الصحة، ومهمة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومهمة البلديات كمراقبة المطاعم التي يحدث منها تسمُّم، أو تُسَوِّق ما يسبب المرض كتسويق اللحوم من حيوانات مريضة.. ولا ينتهي الأمر بوجود جهات للمتابعة، بل لا بد من معايشة التتابع بالمشاهدة والنتائج.. وهيئة الأمر بالمعروف إذا تقيَّدت بتوجيهات ولي الأمر الأعلم بالمعادلة بين المصالح والمنافع، وتوجيه علماء الشريعة الأعلم بما هو تجسُّسٌ محرم ومتابعة واجبة: هم الأقدر على اكتشاف المخالفات، وهم الذين تفردوا في وقتٍ مضى باكتشاف بيع المُحرَّمات كالخمر والعرق في قوارير صحة على أنها ماء، وفي علب الأشربة الغازية على أنها بيبسي مثلاً.
والحكم السابع: أن مسؤولية البلدية وهيئة الأمر بالمعروف ووزارة الصحة أعظم مسؤولية في دفع الضرر وتحقيق الأحكام الشرعية، ولا سيما ذبح المواشي في المسالخ؛ فإن الشرع يمنع من حشر المواشي وذبحها وبعضها ينظر إلى بعض، أو أن يُحِدَّ شفرته وهي تنظر.. ويوجب الهيئة المحمودة في الذبح، وأن يكون الذبح وسط الحنجرة، وأن يتبع الرأس شيء منها على الأقل، وأن يقطع الوريدين، وأن يقطع القصبة الهوائية فيما يُنحر.. ويوجب التسمية، ويمنع من نَخْع البهيمة وسلخها حتى تبرد. ويوجب إطلاقها ترفس مع وطء الرقبة، وأما صَبْر البهيمة بوطء كل عضو منها فذلك فعل العامة سابقاً الذين يجهلون حكم الشرع.
والحكم الثامن: من وجوه الإصلاح والاستصلاح معاً أن لا تتفرَّد دائرة ما كالشرطة بأفراد قبيلة واحدة أو منطقة واحدة، وأن يتم النقل والاستبدال من دائرة إلى دائرة خلال أعاوم معدودة، وأن يُرجع في كل حارة - غير العمدة - إلى عُمَّار المساجد للإشراف على واقع حارتهم.. وأسأل الله برحمته وقدرته أن يهدي الغاوين، وأن يديم على المتَّقين نعمة التوفيق، وإلى لقاء عاجل إن شاء الله تعالى، والله المستعان.