مع أن سمة النِّفاق السياسي طاغية على السلوك الدولي، إذ هيمنت المصالح على العلاقات الدوليَّة ونحت القيم الإنسانيَّة والأخلاقيَّة، دبلوماسيَّة المصالح التي كانت عنوان التحرُّكات الغربيَّة امتدت إلى القوى الدوليَّة الأخرى، وأصبحت العلاقات مرتبطة إلى حدٍ كبيرٍ بما تجنيه الدول من تلك العلاقات لتضخيم مصالحها وتحقيق أكبر قدر من المكاسب على حساب الشعوب والأمم المقهورة.
ولقد عانت الشعوب الإسلاميَّة العديد من التَّمييز والنهب الفاضح لثرواتها وجعل أراضيها ميدانًا للحروب والقتال حتَّى يتسنى للقوى المستكبرة الوصول إلى هذه الأراضي والسيطرة على مقوِّمات دولها والهيمنة على ثرواتها، ولهذا نرى بأن جميع الحروب والنزاعات في العصر الحاضر تتركز في المناطق الإسلاميَّة.
المنطقة العربيَّة والرواق الإسلامي المحيط بها استطونته الحروب، فبعد فلسطين التي منحها الغرب والشرق على السواء لليهود ليستوطنوا بها وزوَّدهم بِكلِّ عناصر القوى لفرض استعماره الأبدي، حيث تَكَفَّلت أمريكا والغرب على جعل إسرائيل القُوَّة العسكريَّة المتسلِّطة التي تتفوق قُوَّتها على جميع دول المنطقة، ودمرَّت كل قوة عربيَّة أو إسلاميَّة ناشئة حتَّى لا تزاحم الغطرسة الإسرائيليَّة، فدبرت احتلال العراق، ثمَّ أفغانستان والآن سوريا وغدًا إيران.
أما المناطق الإسلاميَّة التي لا تغري الغرب ولا تجذب ثرواتها المصالح الغربيَّة؛ لأنَّها ببساطة لا تمتلك ثروات تغري المنافقين من القوى الكبرى وفي مقدمتها أمريكا وأخواتها، فتترك لمصيرهم المظلم وسط تكالب القوى العرقية والعنصرية التي تواصل ارتكاب المجازر وسط الجماعات الإسلاميَّة مثلما يحصل الآن في ميانمار، التي يواجه المسلمون الروهينجيا فيها إبادة حقيقية على أيدي البوذيين العنصرين، فمع بداية عيد الأضحى المبارك شن البوذيون المتعصبون هجمات قاتلة على مناطق المسلمين الروهينجيا في ولاية راخين وسط تواطؤ مفضوح من قبل السلطات الحكوميَّة، التي لا تعترف بالمسلمين هناك، زاعمة بأنهم مهاجرون بالرغم من أن هؤلاء يتجاوزون ثمانمائة ألف مواطن يقيمون في ولاية راخين منذ أكثر من ثلاثة قرون.
عمليات القتل وتنظيم المجازر بحق المسلمين وسط إشراف ومساعدة السلطات يفترض بالمجتمع الدولي وخصوصًا الخمسة الكبار الذين يوجِّهون ويديرون مجلس الأمن الدولي التحرك لوقف هذه المأساة التي لا تقل إن لم تفوق ما يشهده العالم من مآسٍ تستثمرها القوى الدوليَّة الكبرى في نفاق سياسي مفضوح أصبح سمة من سمات تعامل الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيَّة، وهو ما يفرض على الدول الإسلاميَّة أن تسارع بالتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لمساعدة المسلمين في ميانمار من مسلمي الروهينجيا، والموافقة على طلب الأزهر بعقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة إسلاميَّة، ومنها دول مجاورة لميانمار ولها معها علاقات وساعدت بعضها في فك الحصار الدولي عنها.
الآن المسلمون الروهينجيا يستنجدون بإخوانهم المسلمين لإنقاذهم من المجازر التي ترتكب ضدهم بعد أن تخلَّت عنهم القوى الكبرى المنشغلة في ممارسة النِّفاق السياسي لتعظيم مكاسبها الاقتصاديَّة على حساب الشعوب المقهورة.
jaser@al-jazirah.com.sa